التّفسير
عاقبة الجماعة الظّالمة:
وأخيراً حين شاهد الملائكة (رسل الله) الأضياف ما عليه لوط من العذاب النفس كشفوا "ستاراً" عن أسرار عملهم و(قالوا يا لوط إِنّا رسل ربّك لن يصلوا إِليك).
الطريف هنا أنّ ملائكة الله لم يقولوا: لن يصلنا سوء وضرر، بل قالوا: لن يصلوا إِليك يا لوط فيؤذوك ويسيؤوا إِليك!
وهذا التعبير إِمّا لأنّهم كانوا يحسبون أنّهم غير منفصلين عن لوط لأنّهم أضيافه على كل حال، وهتك حرمتهم هتك لحرمة لوط.
أو لأنّهم أرادوا أن يفهموا لوطاً بأنّهم رسل الله، وأنّ عدم وصول قومه إِليهم بالإِساءة أمر مسلّم به، بل حتى لوط نفسه الذي هو رجل من جنس أُولئك لن يصلوا إِليه بسوء، وذلك بلطف الله وفضله.
نقرأ في الآية (37) من سورة القمر(ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم)وهذه الآية تدل على أن هؤلاء الجماعة الذين أرادوا السوء بأضياف لوط، فقدوا بصرهم بإذن الله، فلم يستطيعوا الهجوم عليهم.
ونقرأ في بعض الرّوايات - أيضاً - أنّ أحد الملائكة غشّى وجوههم بحفنة من التراب فعموا جميعاً.
وعلى كل حال، فاطلاع لوط (عليه السلام) على حال أضيافه ومأموريتهم نزل كالماء البارد على قلبه المحترق وأحسّ بلحظة واحدة أن ثقلا كبيراً من الغمّ والحيرة قد أُزيل عن قلبه، وأشرقت عيناه بالسرور والبهجة، وعلم أنّ مرحلة الغم والحيرة اشرفت على الإِنتهاء، ودنا زمن السرور والنجاة من مخالب هؤلاء القوم المنحرفين المتوحشين.
ثمّ أمر الأضيافُ لوطاً - مباشرة - أن يرحل هو وأهله من هذه البلدة وقالوا: (فأسر بأهلك بقطع من الليل)(1).
ولكن كونوا على حذر (ولا يلتفت منكم أحد) إلى الوراء (إِلاّ امرأتك فإنّه مصيبها ما أصابهم) لتخلّفها عن أمر الله وعصيانهم مع العُصَاة الظَلَمَة.
وفي قوله تعالى: (لا يلتفت منكم أحد) عند المفسّرين احتمالات عديدة.
الأوّل: لا ينظر أحد إلى ورائه مديراً وجهه إلى الخلف.
الثّاني: لا تفكروا بما تركتم خلفكم من الأموال ووسائل المعاش، إِنّما عليكم
أن تنجوا أنفسكم من الهلاك.
الثّالث: لا يتخلف منكم أحد عن هذه القافلة الصغيرة.
الرّابع: إِنّ الأرض ستضطرب حال خروجكم وستبدأ مقدمات العذاب فاهربوا بسرعة ولا تلتفتوا إلى الوراء... ولكن لا مانع من الجمع بين هذه الإِحتمالات كلها في الآية(2).
وخلاصة الأمر فإنّ آخر ما قاله رسل الله - أي الملائكة - للوط (عليه السلام): إِنّ العذاب سينزل قومه صباحاً.
ومع أوّل شعاع للشمس سيحين غروب حياة هؤلاء: (إِنّ موعدهم الصبح).
ونقرأ في بعض الرّوايات أنّ الملائكة حين وعدوا لوطاً بنزول العذاب صباحاً، سأل لوط الملائكة لشدة ما لقيه من قومه ممّا ساءَه، وجرح قلبه وملأه همّاً وغمّاً أن يعجلوا عليهم بالعذاب في الحال فإنّ الأفضل الإِسراع، ولكن الملائكة طمأنوه وسرّوا عنه بقولهم: (أليس الصبح بقريب).
﴿قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ﴾ بسوء وضرب جبرائيل بجناحه وجوههم فأعماهم ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ﴾ بطائفة ﴿مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ إلى ورائه أو ولا يتخلف ﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ فسألهم لوط تعجيل عذابهم فقالوا ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.