لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولكن هذه الأحجار ليست أحجاراً عادية، بل هي أحجار فيها علامات عندالله (مسوّمة عند ربّك). ولا تتصوروا أنّ هذه الأحجار مخصوصة بقوم لوط، بل (وما هي من الظالمين ببعيد). هؤلاء القوم المنحرفون ظلموا أنفسهم وظلموا مجتمعهم، لعبوا بمصير أُمتهم كما هزئوا بالإِيمان والأخلاق الإِنسانيّة، وكلّما نصحهم نبيّهم باخلاص وحرقة قلب لم يسمعوا له وسخروا منه، وبلغت صلافتهم وعدم حيائهم حدّاً أنّهم أرادوا الاعتداء على ضيوف زعيمهم ويهتكوا حرمتهم. هؤلاء الذين كانوا قد قلبوا كل شيء يجب أن تنقلب مدينتهم عليهم، ولا يكفي أن يغدو عليها سافلها، بل ليُمطروا بوابل من الأحجار تدمّر كل شيء من "معالم الحياة" هناك ولا يبقى منهم سوى صحراء موحشة وقبور مظلمة تحت ركام الأحجار الصغيرة. وهل أنّ الذين ينبغي معاقبتهم هم قوم لوط فحسب؟ قطعاً لا. فكل جماعة منحرفة وأُمّة ظالمة ينتظرها مثل هذا المصير، فتارة تكون تحت وابل الأحجار، وأُخرى تحت ضربات القنابل المحرقة، وحيناً تحت ضغط الإِختلافات الإِجتماعية القاتلة، وأخيراً فإنّ لكلٍّ شكلا من العذاب وصورة معينة. ملاحظات 1 - لِمَ كان العذاب صباحاً؟ ملاحظة الآيات المتقدمة تثير في ذهن القارىء هذا السؤال، وهو أيّ أثر للصبح في هذا الأمر، ولِمَ لم ينزل العذاب في قلب الليل البهيم؟! ترى هل كان ذلك لأنّ الجماعة الذين هجموا على دار لوط فعموا وعادوا إلى قومهم وحدثوهم بما جرى لهم، فحينئذ فكر أُولئك بما حدث! وإِنّ الله أمهلهم إلى الصباح لعلهم ينتبهون ويتوبون؟ أو أنّ الله لم يرد الاغارة عليهم في الليل، ولذلك فقد أمر الملائكة أن ينتظروا حتى يحين الصباح؟! لم يرد في كتب التّفسير شيء من هذا، ولكنّ ما ذكرناه آنفاً احتمالات تستحق المطالعة. 2 - لَمِ قلب الله عاليها سافلها؟ قلنا: إِنّ العذاب ينبغي أن يتناسب مع الإِثم، وحيث أنّ هؤلاء القوم قلبوا كل شيء عن طريق الإِنحراف الجنسي فإنّ الله جعل مدنهم عاليها سافلها أيضاً، وحيث كانوا دائماً يتقاذفون بالكلمات البذيئة فيما بينهم، فإنّ الله امطرهم بحجارة لتتهاوى على رؤوسهم أيضاً. 3 - لماذا الوابل من الأحجار؟! وهل كان إِمطارهم بالأحجار الصغيرة قبل انقلاب المدن، أو كان مقترناً ومتزامناً معها، أو بعدها؟! هناك أقوال بين المفسّرين، والآيات القرآنية لم تصرّح بشيء في هذا الشأن أيضاً، لأنّ الجملة عُطفت بالواو، وهي لمطلق العطف ولا يستفاد منها الترتيب. ولكن بعض المفسّرين - كصاحب المنار - يعتقد أنّ مطر الاحجار إِمّا أن يكون قبل أن يقلب عاليها سافلها، أو مقترن مع القلب، وذلك لينال بعض الافراد الذين التجأوا إلى زاوية أو معزل ولم يدفنوا تحت الأنقاض جزاءهم العادل ولا تبقى لهم فرصة للهروب. والرّواية التي تقول: إِنّ أمرأة لوط حين سمعت الصوت والتفتت لترى ما حدث أصابها حجر في الحال فقتلها، هذه الرّواية تدل على أنّ الأمرين "القلب ووابل المطر" حدثا مقترنين. ولكن لو تجاوزنا عن ذلك فما يمنع أن يكون وابل الأحجار - لتشديد العذاب - بعد قلب المدن عاليها سافلها، لتتوارى أرضهم وتنمحى آثارها تماماً. 4 - لماذا العلامة المتميّزة؟! قلنا: إِنّ جملة (مسوّمة عند ربّك) تفهمنا هذه المسألة الدقيقة، وهي أنّ هذه الأحجار كانت ذوات علائم خاصّة ومميّزة عند الله سبحانه... ولكن كيف كانت علاماتها؟ هناك أقوال بين المفسّرين... فقال بعضهم: كان في هذه الأحجار علامات تدل على أنّها ليست كسائر الأحجار "العادية" بل هي خاصّة لنزول العذاب الإِلهي لئلا تختلط مع سقوط الأحجار الأُخرى، ولذا قال آخرون: إِنّ هذه الأحجار لم يكن لها شبه مع أحجار الأرض بل تدل مشاهدة وضعها على أنّها أحجار سماويّة نزلت إلى الكرة الأرضية من خارجها. وقال آخرون: هي علامات في علم الله، إِنّ كل حجر منها يصيب شخصاً بعلامته أو يستهدف نقطة معينة، وهي إِشارة إلى دقة الحساب في عقاب الله وجزائه بحيث يعلم أيَّ شخص يصيبه أي حجر! وليس المسألة اعتباطيّة. 5 - تحريم الإِنحراف الجنسي يُعدّ الميل الجنسي إلى المماثل "سواء وقع ذلك بين الرجال أو بين النساء" من الذنوب الكبيرة في الإِسلام، وقد جعل الإِسلام لكل من الحالتين حداً شرعياً. فالحدّ الشرعي في "اللواط" هو القتل فاعلا كان الرجل أم مفعولا. وهناك طرق مبيّنة لهذا القتل في الفقه الإِسلامي، ويجب أن يعوّل على طرق معتبرة وقطعية لإِثبات هذا الذنب وردت في الفقه الاسلامي وروايات المعصومين في هذا المجال. فلا يكفي لإِقامة الحد الشرعي - وهو القتل هنا - حتى إقرار المذنب على نفسه ثلاث مرات، بل يجب أن يقرّ على نفسه أربع مرات على الأقل. وأمّا الحدّ على المرأة في عملية المساحقة فيكون بعد الإِقرار بالذنب على نفسها أربع مرات، أو شهادة أربعة شهود "وبالشرائط المذكورة في الفقه" مئة جلدة، وقال بعض الفقهاء، إِذا كانت المرأة التي تقوم بهذا العمل الشنيع ذات بعل فحدّها القتل. وإِقامة هذه الحدود لها شرائط دقيقة ذكرت في كتب الفقه الإِسلامي. والرّوايات التي تذم الميل الجنسي إلى المماثل والمنقولة عن قادة الإِسلام كثيرة ومذهلة والمطالع لهذه الرّوايات يحسُّ أنّ قبح هذا الذنب ليس له مثيل بين الذنوب. نقرأ مثلا من هذه الرّوايات رواية عن الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "لمّا عمل قوم لوط ما عملوا بكت الأرض إلى ربّها حتى بلغت دموعها السّماء، وبكت السّماء حتى بلغت دموعها العرش، فأوحى الله إلى السّماء أن أحصبيهم وأوحى إلى الأرض أن اخسفي بهم"(3). ونقرأ في حديث للإِمام الصادق أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من جامع غلاماً جاء يوم القيامة جنباً لا ينقّيه ماء الدنيا، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنم وساءت مصيراً. ثمّ قال: إِن الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك"(4). ونقرأ في حديث للإِمام الصادق (عليه السلام) ".... والعامل على هذا من الرجال إِذا بلغ أربعين سنة لم يتركه، وهم بقية سدوم. أمّا إِني لست أعني بهم أنّهم بقيتهم أنّهم ولدهم، ولكنّهم من طينتهم، قال: قلت: سدوم التي قُلبت، قال: هي أربع مدائن "سدوم وصريم والدما وغميرا"... أوولدنا وعموّراالخ....(5). ونقرأ في رواية أُخرى عن الإِمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال"(6). فلسفة تحريم الميول الجنسية لأمثالها: بالرغم من أنّ العالم الغربي مليء بالإِنحرافات الجنسية، وأنّ هذه الأعمال السئية قد باتت متعارفة بحيث سمع أنّ بعض الدول كبريطانيا وطبقاً لقانون صدر بكل وقاحة من المجلس النيابي "البرلمان" فيها يجوز هذا الموضوع "اللواط أو السحاق" ولكن شيوع هذه المنكرات لا يخفف من قبحها ومن مفاسدها الأخلاقية والإِجتماعية والنفسية. بعض أتباع المذاهب المادّيه الذين تلوّثوا بمثل هذه المنكرات يقولون: نحن لا نجد محذوراً طبيّاً في هذا الامر. ولكنّهم لم يلتفتوا لى أنّ كل انحراف جنسي له أثره السلبي في روحية الإِنسان وبنائه النفسي يفقده توازنه. توضيح ذلك، أنّ الإِنسان الطبيعي والسليم يميل إلى المخالف من جنسه، أي أنّ الرجل يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل، وهذا الميل ن أشدّ الغرائز المتجذرة فيه، والضامن لبقاء نسله، فأيّ عمل يؤدّي إلى تحوير هذا الميل الطبيعي عن مساره فسيوجد نوعاً من المرض والإِنحراف النفسي في الإِنسان. فالرجل الذي يميل إلى نظيره من جنسه، ليس رجلا كاملا، وقد عُدّ هذا الإِنحراف في كتب الأُمور الجنسية "هموسكواليسيم" أي الميل الجنسي للمماثل من أهم الإِنحرافات. والإِستمرار على هذا العمل وإدامته يميت في الفرد الميل الجنسي إلى المخالف. والشخص الذي يسلّم نفسه لممارسة هذا العمل معه يشعر شيئاً فشيئاً "بإحساسات المرأة" ويورث هذا العمل الطرفين "الفاعل والمفعول" ضعفاً مفرطاً في الجنس حتى أنّه لا يستطيع بعد مدّة على المعاشرة الطبيعية مع جنسه المخالف. ومع ملاحظة أنّ الإِحساسات الجنسيّهبالنسبة للرجل والمرأةلها تأثيرها في أعضاء بدن كل منهما، كما أنّ لها تأثيرها على روحية كلٍّ منهما وأخلاقه. تتّضح أنّ فقدان الإِحساسات الطبيعية إلى أي درجة سيؤثر على روح الإِنسان وجسمه حتى أنه من الممكن أن يبتلى الأفراد هؤلاء بالضعف الجنسي الذي يؤدّي إلى عدم القدرة على الإِنجاب والتوليد. وهؤلاء الأشخاص - غالباً - ليسوا أصحاء من الناحية النفسيّة، ويحسون في داخلهم أنّهم غرباء عن أنفسهم وغرباء عن مجتمعهم... ويفقدون بالتدريج القدرة على الإِرادة التي هي أساس لكم نجاح وشرط من شروطه، ويتكرس في روحهم نوع من الإِضطراب والقلق. وإذا لم يصمموا على إِصلاح أنفسهم فوراً، ولم يستعينوا عند الضرورة والحاجة بالطبيب النفسي أو الطبيب الجسمي فسيغدو هذا العمل عندهم عادة يصعب تركها، فمن وعلى كلِّ حال، فإنّ أي وقت لترك هذا العمل القبيح لا يعدّ خارجاً عن أوانه، بل لابدّ من التصميم الجاد. ولا ريب أنّ الحيرة والإِضطراب النفسي قد يجرّ هؤلاء إلى استعمال المواد المخدرة والمشروبات الكحولية، كما يجرّهم إلى انحرافات أخلاقية أُخرى، وهذا بنفسه شقاء عظيم. الطريف أنّنا نقرأ في الرّوايات الإِسلامية عبارة موجزة وذات معنى كبير تشير إلى هذه المفاسد، ومن هذه الرّوايات ما نقل عن الإِمام الصادق (عليه السلام) أنّ رجلا سأله: لم حرّم الله اللواط؟ فقال سلام الله عليه: "من أجل أنّه لو كان إِيتان الغلام حلالا لإستغنى الرجال عن النساء وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في اجازة ذلك فَساد كبير"(7). وما يجدر ذكره أنّ أحد العقوبات الشرعية لهذا العمل أنّ الإِسلام حرم الزواج من أخت المفعول وأُمّه وبنته على الفاعل، أي إذا تحقق اللواط قبل الزواج فعندئذ يحرم الزواج منهنّ حرمة مؤبدة. وآخر ما ينبغي التذكير به هنا من المسائل الدقيقة، أن جرّ الأفراد إلى مثل هذا الإِنحراف الجنسي له أسباب وعلل مختلفة، حتى من ضمنها أحياناً طريقة التعامل والمعاشرة من قبل الوالدين مع أبنائهما، أو الغفلة عنهم وعدم مراقبة من معهم من بني جنسهم، وطريقة معاشرتهم ومنامهم معاً في بيت واحد، كل ذلك له أثره الفاعل في هذا التلوّث والإِنحراف. نحن نقرأ في أحوال قوم لوط أنّ سبب انحرافهم وتلوثهم بهذا الذنب أنّهم كانوا قوماً بخلاء، ولمّا كانت مدنهم على قارعة الطريق التي تمرّ بها قوافل الشام ولم يكونوا ليرغبوا في استضافة العابرين من المسافرين، كانوا يوحون إِليهم بداية الأمر أنّهم يريدون أن يعتدوا عليهم جنسياً ليفرّ منهم الضيوف والمسافرون، ولكنّ هذا العمل أصبح بالتدريج مألوفاً عندهم ونما عندهم الإِنحراف الجنسي وبلغ عملهم حدّاً أنّهم تلوّثوا بالآثام من قرنهم إلى قدمهم(8). وربّما جرّ المزاح غير المناسب بين الذكور أو بين الإِناث إلى هذا الإِنحراف، فعلى كل حال، ينبغي ملاحظة هذه المسائل بدقة إِنقاذ المنحرفين والملوّثين بهذا الذنب بسرعة، ويطلب من الله التوفيق في هذا السبيل. أخلاق قوم لوط: ونقرأ في الرّوايات والتواريخ الإِسلامية أعمالا سيئة كانت عند قوم لوط سوى الإِنحراف الجنسي المشار إِليه، ومن هذه الأعمال ما ورد في "سفينة البحار" حيث نقرأ مايلي: ... قبل كانت مجالسهم، تشتمل على أنواع المناكير مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وضرب المخراق وخذف الأحجار على من مرّ بهم، وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات(9). وواضح أنّ الإِنحراف في مثل هذه البيئة وأعمال السوء تأخذ أبعاداً جديدة كل يوم، وبغض النظر عن قبح الأعمال السيئة - أساساً - تبلغ الحال درجةً لا يُرى عندها أي عمل في نظر تلك البيئة سيّئاً أو منكراً. ويوجد في عصر تقدم العلوم من هم أشقى من قوم لوط حيث يسلكون نفس ذلك السبيل وقد تصل أعمال هؤلاء المخزية إلى درجة ننسى عندها أعمال قوم لوط.... ﴿مُّسَوَّمَةً﴾ معلمة للعذاب ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ في قدرته ﴿وَمَا هِيَ﴾ أي الحجارة ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ من أمتك ﴿بِبَعِيدٍ﴾ تهديد لقريش والتذكير لأنها حجر.