ولكن شعيباً ردّ على من اتّهمه بالسفه وقلّة العقل بكلام متين و (قال يا قوم أرأيتم إِنّ كنت على بينة من ربّي ورزقني منه رزقاً حسناً)(1).
إنّه يريد أن يفهم قومه أنّ في عمله هذا هدفاً معنوياً وإِنسانياً وتربوياً، وأنّه يعرف حقائق لا يعرفها قومه، والإِنسان دائماً عدوّ ما جهل.
ومن الطريف أنّه في هذه الآيات يكرر عبارة (يا قوم) وذلك ليُعبّىء عواطفهم لقبول الحق وليشعرهم بأنّهم منه وأنّه منهم، سواء أكان المقصود بالقوم القبيلة أو الطائفة أو الجماعة أو الأُسرة، أم كان المقصود الجماعة التي كان يعيش وسطهم ويُعدّ جزءاً منهم.
ثمّ يضيف هذا النّبي العظيم قائلا: (وما أُريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه)فلا تتصوروا أنني أقول لكم لا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تنقصوا المكيال، وأنا أبخس الناس أو أنقص المكيال، أو أقول لكم لا تعبدوا الأوثان وأنا أفعل ذلك كلّه، كلا فإنّني لا أفعل شيئاً من ذلك أبداً.
ويستفاد من هذه الجملة أنّهم كانوا يتهمون شعيباً بأنّه كان يريد الربح لنفسه، ولهذا فهو ينفي هذا الموضوع صراحةً ويقول تعقيباً على ما سبق (إِن أُريد إِلاّ الإصلاح ما استطعت).
وهذا هو هدف الأنبياء جميعاً، حيث كانوا يسعون إلى إِصلاح العقيدة، وإِصلاح الأخلاق، وإِصلاح العمل، وإِصلاح العلائق والروابط الإِجتماعية وأنظمتها (وما توفيقي إِلاّ بالله) للوصول إلى هذا الهدف.
وعلى هذا فإِنني، ولأجل أداء رسالتي والوصول إلى هذا الهدف الكبير (عليه توكلت وإِليه أنيب).
وأسعى للإِستعانة به على حل المشاكل، وأتوكل عليه في تحمّل الشدائد في هذا الطريق، وأعود إِليه أيضاً.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ﴾ بيان وبصيرة ﴿مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ مالا حلالا وتقدير جواب الشرط أفأكفر نعمه ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ﴾ وأقصد ﴿إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ فأرتكبه ﴿إِنْ أُرِيدُ﴾ بما آمركم به وأنهاكم عنه ﴿إِلاَّ الإِصْلاَحَ﴾ لكم دينا ودنيا ﴿مَا اسْتَطَعْتُ﴾ مدة استطاعتي ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ لا على غيره ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أرجع من النوائب أو في المعاد.