لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول ذكر بعض المفسرين سببين لنزول الآية الاُولى من هذه الآيات محل البحث: الأوّل: إنّ هذه الآية هي أوّل آية نزلت في جهاد أعداء الإسلامِ وبعد نزول هذه الآية شرع رسول الله (ص) في قتالهم إلاّ الكفّار الّذين لم يكونوا في حرب مع المسلمين، واستمرّ هذا الحال حتّى نزل الأمر (اقتلوا المشركين) الّذي أجاز جهاد وقتال جميع المشركين(1). الثاني: من أسباب النزول ما ورد عن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت في صلح الحديبيّة، وذلك أنّ رسول الله (ص) لمّا خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، فساروا حتّى نزلوا الحديبيّة فصدّهم المشركون عن البيت الحرام، فنحروا الهدي بالحديبيّة، ثمَّ صالحهم المشركون على أن يرجع النبي من عامه ويعود العام المقبل، ويخلوا له مكّة ثلاثة أيّام، فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء، فرجع إلى المدينة من فوره. فلمّا كان العام المقبل تجهّز النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم، وكره رسول الله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله هذه الآية لتبيح للمسلمين القتال إن بدأهم المشركون به(2). والظاهر أن شأن النزول الأوّل يناسب الآية الاُولى، والثاني يناسب الآيات التالية،وعلى أية حال فإن مفهوم الآيات يدلّ على أنهانزلت جميعاً بفاصلة قصيرة. التّفسير القرآن أمر في هذه الآية الكريمة بمقاتلة الذين يشهرون السلاح بوجه المسلمين، وأجازهم أن يواجهوا السلاح بالسلاح، بعد أن انتهت مرحلة صبر المسلمين على الأذى، وحلّت مرحلة الدفاع الدامي عن الحقوق المشروعة. تقول الآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم). عبارة (فِي سَبِيلِ الله) توضّح الهدف الأساسي من الحرب في المفهوم الإسلامي، فالحرب ليست للإنتقام ولا للعلوّ في الأرض والتزعم، ولا للاستيلاء على الأراضي، ولا للحصول على الغنائم... فهذا كلّه مرفوض في نظر الإسلام. حمل السلاح إنّما يصحّ حينما يكون في سبيل الله وفي سبيل نشر أحكام الله، أي نشر الحقّ والعدالة والتوحيد واقتلاع جذور الظلم والفساد والانحراف. وهذه هي الميزة التي تميّز الحروب الإسلامية عن ساير الحروب في العالم، وهذا الهدف المقدّس يضع بصماته على جميع أبعاد الحرب في الإسلام ويصبغ كيفيّة الحرب وكميّتها ونوع السلاح والتعامل مع الاسرى وأمثال ذلك بصبغة "في سبيل الله". "سبيل" كما يقول الراغب في مفرداته أنها في الأصل تعني الطريق السهل، ويرى بعض أنه ينحصر في طريق الحقّ. ولكن مع الالتفات إلى أن هذه المفردة جاءت في القرآن الكريم تارة بمعنى طريق الحقّ، واُخرى طريق الباطل، فإن مرادهم قد يكون إطلاقها على طريق الحقّ مع القرائن. ولا شكّ أن سلوك طريق الحقّ "سبيل الله" أي طريق الدين الإلهي مع احتوائه على مشاكل ومصاعب كثيرة إلاّ أنه سهل يسير لتوافقه مع الفطرة والروح الإنسانية للاشخاص المؤمنين، ولهذا السبب نجد المؤمنين يستقبلون تلك الصعوبات برحابة صدر حتّى لو ادّى بهم إلى القتل والشهادة. وعبارة (الذين يقاتلونكم) تدلّ بصراحة أن هذا الحكم الشرعي يختّص بمن شهروا السلاح ضد المسلمين، فلا تجوز مقاتلة العدو ما لم يشهر سيفاً ولم يبدأ بقتال باستثناء موارد خاصّة سيأتي ذكرها في آيات الجهاد. وذهب جمع من المفسرين إلى أن مفهوم (الذين يقاتلونكم) محدود بدائرة خاصّة، في حين أن مفهوم الآية عام وواسع. ويشمل جميع الذين يقاتلون المسلمين بنحو من الإنحاء. ويستفاد من الآية أيضاً أن المدنيين- خاصّةً النساء والأطفال- لا يجوز أن يتعرّضوا لهجوم، فهم مصونون لأنّهم لا يقاتلون ولا يحملون السلاح. ثمّ توصي الآية الشريفة بضرورة رعاية العدالة حتّى في ميدان القتال وفي مقابل الأعداء، وتقول: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). أجل، فالحرب في الإسلام لله وفي سبيل الله، ولا يجوز أن يكون في سبيل الله اعتداء ولا عدوان. لذلك يوصي الإسلام برعاية كثير من الأُصول الخلقية في الحرب، وهو ما تفتقر إليه حروب عصرنا أشدّ الإفتقار. يوصي مثلاً بعدم الإعتداء على المستسلمين وعلى من فقدوا القدرة على الحرب، أوليست لديهم أصلاً قدرة على الحرب كالشيوخ والنساء والأطفال، وهكذا يجب عدم التعرّض للمزارع والبساتين، وعدم اللجوء إلى المواد السامة لتسميم مياه شرب العدوّ كالسائد اليوم في الحروب الكيمياوية والجرثوميّة. الإمام عليّ (عليه السلام) يقول لافراد جيشه- كما ورد في نهج البلاغة- وذلك قبل شروع القتال في صفين: "لا تقاتلوهم حتّى يبدؤوكم فإنكم بجهد الله على حجّة، وترككم إيّاهم حتّى يبدؤوكم حجّة اُخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولا تُصيبوا مُعوراً ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذىً وإن شتمن أعراضكم وسببن أُمراءكم"(3). والجدير بالذكر أن بعض المفسّرين ذهب طبقاً لبعض الروايات أن هذه الآية ناسخة للآية التي تنهى عن القتال من قبيل (كفوا أيديكم)(4). وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بالآية (وقاتلوا المشركين كافة)(5). ولكن الصحيح أن هذه الآية لا ناسخة ولا منسوخة، لأن منع المسلمين من قتال الكفّار كان في زمن لم يكن للمسلمين القوّة الكافية، ومع تغيّر الظروف صدر الأمر لهم بالدفاع عن أنفسهم، وكذلك قتال المشركين فهو في الواقع استثناء من الآية، فعلى هذا يكون تغيير الحكم بسبب تغيير الظروف لا من قبيل النسخ ولا الاستثناء، ولكن القرائن تدلّ على أن النسخ في الروايات وفي كلمات القدماء له مفهوم غير مفهومه في العصر الحاضر، أي له معنىً واسع يشمل هذه الموارد أيضاً. ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ جاهدوا في دينه لإعزازه ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ لا الكافين فتكون منسوخة تقابلوا المشركين أو أريد بهم من يتوقع منهم القتال ليخرج الشيوخ والصبيان والنساء ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾ عما حد الله في القتل ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾.