ويسلّي القرآن قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة أُخرى، فيحدّثه عن موسى وقومه قائلا: (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه)... ويقول إِذا ما رأيت أنّ الله لا يعجل العذاب على قومك، فلأنّ مصلحة الهداية والتعليم والتربية لقومك توجب ذلك وإِلاّ فانّ القرار الالهي المسبق يقتضي التعجيل بعملية التحكيم والقضاء وبالتالي أنزال العقاب (ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم وإِنّهم لفي شكٍّ منه مريب)وبالرغم من ذلك فهم في شك من هذا الامر(2).
كلمة "مريب" مشتقّة من "الريب" ومعناه الشكّ المقترن بسوء الظن والنظرة السيئة والقرائن المخالفة، وعلى هذا فيكون مفهوم هذه الكلمة أنّ عبدة الأصنام ما كانوا يترددون في مسألة حقيقة القرآن أو نزول العذاب على المفسدين فحسب، بل كانوا يدّعون بأنّ لديهم قرائن تخالف ذلك أيضاً.
أمّا "الراغب" فيقول في "مفرداتة": إِنّ معنى الريب هو الشك الذي يرفع عنه الحجاب بعدئذ ويعود إلى اليقين، فعلى هذا يكون مفهوم الآية أنّ الحجاب سيكشف عاجلا عن حقانية دعوتك وكذلك عن عقاب المفسدين وتظهر حقيقة الأمر!
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ من مصدق به ومكذب كاختلاف قومك في القرآن فلا تحزن ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ بالإمهال إلى يوم القيمة ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ في الحال بإهلاك المبطل وإنجاء المحق ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي الكفرة ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾ من القرآن ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع للريبة.