وتعقيباً على تأثير الصلاة في بناء شخصية الإِنسان وبيان تأثير الحسنات على محو السيئات، يأتي الأمر بالصبر في الآية الأُخرى بعدها (واصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين).
وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين حاول تحديد معنى الصبر في هذه الآية في الصلاة، أو إيذاء الأعداء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إِلاّ أنّ من الواضح أن لا دليل على ذلك - بل أن الآية تحمل مفهوماً واسعاً كلياً وجامعاً ويشمل كل أنواع الصبر أمام المشاكل والمخالفات والأذى والطغيان والمصائب المختلفة، فالصمود أمام جميع هذه الحوادث يندرج تحت مفهوم الصبر.
"الصبر" أصل كلّي وأساس إِسلامي، يأتي أحياناً في القرآن مقروناً بالصلاة، ولعل ذلك آت من أن الصلاة تبعث في الإِنسان الحركة، والأمر بالصبر يوجب المقاومة، وهذان الأمران، أي "الحركة والمقاومة" حين يكونان جنباً إلى جنب يثمران كل اشكال النجاح والموفقية.
وأساساً يتحقق عمل صالح دون صبر ومُقاومة... لأنّه لابدّ من إِيصال الأعمال الصالحة إلى النهاية، ولذلك فإنّ الآية المتقدمة تعقب على الأمر بالصبر بثواب الله وأجره إِذ تقول: (إِنّ الله لا يضيع أجر المحسنين) ومعنى ذلك أن العمل الصالح لا يتيسر دون صبر ومقاومة... لا بأس بذكر هذه المسألة الدقيقة، وهي أنّ الناس ينقسمون إلى عدّة جماعات إزاء الحوادث العسيرة الصعبة:
1 - فجماعة تفقد شخصيّتها فوراً، وكما يعبر القرآن (وإِذا مسّه الشر جزوعاً).
2 - وجماعة آخرون يصمدون أمام الأزمات بكل تحمّل وتجلّد.
3 - وجماعة آخرون بالإِضافة إلى صمودهم وتحملهم للأزمة، فإنّهم يؤدّون الشكر لله.
4 - وجماعة آخرون يتجهون إلى الأزمات والمصاعب بشوق وعشق، ويفكرون في كيفية التغلب عليها.
ولا يعرفون التعب والنصب في متابعة الأُمور، ولا يهدأون حتى تزول المشاكل.
وقد وعد الله مثل هؤلاء الصابرين بالنصر المؤزر (إِن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين)(8).
وأنعم عليهم وأثابهم في الدار الأُخرى بالجنّة (وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً)(9).
﴿وَاصْبِرْ﴾ على الصلوات الخمس أو الطاعات أو على أذى قومك ﴿فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الصابرين على الطاعة وترك المعصية.