التّفسير
عامل الإِنحراف والفساد في المجتمعات:
من أجل إِكمال البحوث السابقة ذكر في هاتين الآيتين أصل أساسي اجتماعي يضمن نجاة المجتمعات من الفساد، وهو أنّه مادام هناك في كل مجتمع طائفة من العلماء المسؤولين والملتزمين الذين يحاربون كل اشكال الفساد والانحراف، ويأخذون على عاتقهم قيادة المجتمع فكرياً وثقافياً ودينياً، فإِنّ هذا المجتمع سيكون مصوناً من الزيغ والانحراف.
لكن متى ما سكت عن الحق أهله وحماته، وبقي المجتمع دون مدافع أمام عوامل الفساد، فإنّ انتشار الفساد ومن ورائه الهلاك أمر حتمي.
الآية الأُولى أشارت إلى القرون والأمم المتقدمة الذين ابتلوا بأشد أنواع البلاء قائلة: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّة ينهون عن الفساد) ثمّ تستثني جماعة فتقول: (إِلاّ قليلا ممن أنجينا).
هذه الجماعة القليلة وإِن كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولكنّها كحال لوط (عليه السلام) وأُسرته الصغيرة، ونوح والمعدودين ممن آمن به، وصالح وجماعة من أتباعه، فإنّهم كانوا قلّة لم توفق للإِصلاح العام والكلي في المجتمع.
وعلى كل حال فإنّ الظالمين الذين كانوا يشكلون القسم الأكبر من المجتمع اتبعوا لذاتهم وتنعمهم، وكما تقول الآية: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين).
﴿فَلَوْلاَ﴾ فهلا بمعنى النفي أي ما ﴿كَانَ مِنَ الْقُرُونِ﴾ الأمم الماضية ﴿مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ﴾ أصحاب دين أو خير أو فضل ﴿يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ﴾ لكن ﴿قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ نهوا عنه فأنجيناهم ومن بيانية ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بالفساد وترك النهي عنه ﴿مَا أُتْرِفُواْ﴾ أنعموا ﴿فِيهِ﴾ من اللذات ﴿وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ كافرين.