التّفسير
أربع معطيات لقصص الماضين:
بانتهاء هذه الآيات تنتهي سورة هود، وفي هذه الآيات استنتاج كلي لمجموع بحوث هذه السورة، وبما أنّ القسم الأهمّ من هذه السورة يتناول القصص التي تحمل العبر من سيره الأنبياء والأُمم السابقة، فإنّ هذه القصص تعطي نتائج قيّمة ملخّصة في أربعة مواضيع.
تقول هذه الآيات أوّلا: (وكلاًّ نقصُّ عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك).
وكلمة "كُلاًَّ" إِشارة إلى تنوع هذه القصص، وكل نوع منها يشير إلى اتّخاذ جبهة "قبال الأنبياء" ونوع من الإِنحرافات ونوع من العقاب، وهذا التنوّع يلقي أشعة نيرة على أبعاد حياة الناس.
"تثبيت قلب النّبي" (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقوية إِرادته - التي يشار إِليها في هذه الآية - أمر طبيعي، لأنّ معارضة الأعداء اللجوجين الشديدة والقاسية - رضينا أم أبينا - تؤثر على قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّه إِنسان وبشر أيضاً.
ولكن من أجل ان لا ينفذ اليأس إلى قلب النّبي المطهّر وتضعف إِرادته الفولاذية من هذه المعارضة والمخالفات والمثبطات، فإنّ الله يقص عليه قصص الأنبياء وما واجهوه، ومقاومتهم قبال أممهم المعاندين، وانتصارهم الواحد تلو الآخر ليقوي قلب النّبي والمؤمنين الذي يلتّفون حوله يوماً بعد يوم.(1).
ثمّ تشير الآية إلى النتيجة الكبرى الثّانية فتقول الآيات: (وجآءك في هذه الحق).
أمّا ثالث الآثار ورابعها اللذان يستلفتان النظر هما (موعظة وذكرى للمؤمنين).
الطريف هنا أنّ صاحب المنار يقول في تفسير الآية معقباً: إِنّ الإِيجاز والإِختصار في هذه الآية المعجزة في غاية ما يُتصور، حتى كأنّ جميع المعاجز السالفة قد جُمعت في الآية نفسها وبيّنت فوائدها جميعاً بعدّة جمل قصيرة.
وعلى أية حال، فإنّ هذه الآية تؤكّد مرّة أُخرى أنّه لا ينبغي أن نعدّ قصص القرآن ملهاة أو يستفاد منها لإِشغال السامعين، بل هي مجموعة من أحسن الدروس الحياتية في جميع المجالات، وطريق رحب لجميع الناس في الحاضر والمستقبل.
﴿وَكُلاًّ﴾ أي كل نبإ ونصبه ﴿نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ نقوي به قلبك أو نزيد ثباتك على التبليغ واحتمال أذى قومك ﴿وَجَاءكَ فِي هَذِهِ﴾ السورة أو الأنبياء ﴿الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بتدبرها.