هنا يبرز هذا السؤال وهو: لِمَ باعوا يوسف الذي كان يعدّ - على الأقل - غلاماً ذا قيمة بثمن قليل، أو كما عبّر عنه القرآن (وشروه بثمن بخس)...؟
ولكن هذا أمر مألوف فإنّ السُراق أو أُولئك الذين تأتيهم بضاعة مهمّة دون أي تعب ونصب يبيعونها سريعاً لئلا يطلع الآخرون.
ومن الطبيعي أنّهم لا يستطيعون بهذه الفورية أن يبيعوه بسعر غال.
و"البخس" في الأصل معناه تقليل قيمة الشيء ظلماً، ولذلك فإنّ القرآن يقول: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)(4).
ثمّ إنّ هناك اختلافاً آخر بين المفسّرين في الثمن الذي بيع به يوسف، وكيف قُسّم بينهم؟ فقال البعض: عشرون درهماً، وقالت طائفة: اثنان وعشرون، ومع ملاحظة أنّ الباعة كانوا عشرين يتّضح سهم كل منهم، وكم هو زهيد!... وتقول الآية: (وكانوا فيه من الزاهدين).
وفي الحقيقة إِنّ هذه الجملة في حكم بيان العلة للجملة المتقدمة، وهي إِشارة إلى أنّهم باعوا يوسف بثمن بخس، لأنّهم لم يرغبوا في هذه المعاملة ولم يعتنوا بها.
وهذا البيع البخس إِمّا لأنّ أهل القافلة اشتروا يوسف بثمن بخس، والإِنسان إِذا اشترى شيئاً رخيصاً باعه رخيصاً عادةً، أو إِنّهم كانوا يخافون أن يفتضح سرّهم ويجدون من يدّعيه، أو من جهة أنّهم لم يجدوا في يوسف أثراً للغلام الذي يباع ويُشترى، بل وجدوا فيه آثار الحرّية واضحة في وجهه، ومن هنا فلا البائعون كانوا راغبين ببيعه ولا المشترون كانوا راغبين بشرائه.
﴿وَشَرَوْهُ﴾ أي باعوه أي إخوته أو اشتراه الرفقة منهم ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ ناقص أو زيوف ﴿دَرَاهِمَ﴾ بدل من ثمن ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ قليلة عشرين أو ثمانية وعشرين ﴿وَكَانُواْ﴾ أي إخوته أو الرفقة ﴿فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾.