وبعد أن أرشد يوسف صاحبي سجنه ودلّهما ودعاهما إلى حقيقة التوحيد، بدأ بتعبير الرؤيا لهما... لأنّهما من البداية جاءا لهذا الأمر وقد وعدهما بتعبير الرؤيا، ولكنّه إغتنم الفرصة وحدّثهما عن التوحيد الحي والمواجهة مع الشرك، ثمّ التفت إليهما وقال: (ياصاحبي السجن أمّا أحدكما فيسقي ربّه خمراً وأمّا الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه).
وبالرغم من تناسب كلّ رؤيا مع ما عبّره يوسف، فكان معلوماً إجمالا مَن الذي يطلق من السجينين؟ ومن الذي يصلب منهما؟ إلاّ أنّ يوسف لم يرغب في أن يُبيّن التعبير بصراحة أكثر من هذه... خاصّة وأنّ فيه خبراً غير مريح، لذلك جعل التعبير تحت عنوان "أحدكما".
ثمّ أضاف مؤكداً (قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان) وهو إشارة إلى أنّ هذا التعبير ليس تعبيراً ساذجاً، بل هو من أنباء الغيب التي تعلّمها من الله، فلا مجال للترديد والكلام بعد هذا.
في كثير من التفاسير ورد في ذيل الجملة المتقدّمة أنّ السجين الثّاني الذي سمع بالخبر المزعج أخذ يكذّب رؤياه ويقول: كنت أمزح معك، ظانّاً أنّ مصيره سيتبدّل بهذا التكذيب، فعقّب عليه يوسف بالجملة المتقدّمة!
ويحتمل أيضاً أنّ يوسف كان قاطعاً في تعبير الرؤيا إلى درجة بحيث ذكر الجملة المتقدّمة تأكيداً لما سبق بيانه.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا يَابِسَاتٍ﴾ أي الساقي فيرد إلى عمله بعد ثلاث ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾ سيده ﴿خَمْرًا﴾ كعادته ﴿وَأَمَّا الآخَرُ﴾ أي الخباز فيخرج بعد ثلاث ﴿فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ﴾ فقالا ما رأينا شيئا فقال ﴿قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ فهو حال بكما رأيتما أم لا.