فاختار يوسف منصب الأمانة على خزائن مصر، وقال إجعلني مشرفاً على خزائن هذا البلد فإنّي حفيظ عليم وعلى معرفة تامّة بأسرار المهنة وخصائصها (قال إجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم).
كان يوسف يعلم أنّ جانباً كبيراً من الإضطراب الحاصل في ذلك المجتمع الكبير المليء بالظلم والجور يكمن في القضايا الإقتصادية، والآن وبعد أن عجزت أجهزة الحكم من حلّ تلك المشاكل وإضطرّوا لطلب المساعدة منه، فمن الأفضل له أن يسيطر على إقتصاد مصر حتّى يتمكّن من مساعدة المستضعفين وأن يخفّف عنهم - قدر ما يستطيع - الآلام والمصاعب ويستردّ حقوقهم من الظالمين.
ويقوم بترتيب الأوضاع المترديّة في ذاك البلد الكبير، ويجعل الزراعة وتنظيمها هدفه الأوّل وخاصّةً بعد وقوفه على أنّ السنين القادمة هي سنوات الوفرة حيث تليها سنوات المجاعة والقحط، فيدعو الناس إلى الزراعة وزيادة الإنتاج وعدم الإسراف في إستعمال المنتوجات الزراعية وتقنين الحبوب وخزنها والإستفادة منها في أيّام القحط والشدّة.
وهكذا لم ير يوسف بُدّاً من توليّة منصب الإشراف على خزائن مصر.
وقال البعض: إنّ الملك حينما رأى في تلك السنة أنّ الأُمور قد ضاقت عليه وعجز عن حلّها، كان يبحث عمّن يعتمد عليه وينجّيه من المصاعب، فمن هنا حينما قابل يوسف ورآه أهلا لذلك أعطاه مقاليد الحكم بأجمعها وإستقال هو من منصبه.
وقال آخرون: إنّ الملك جعله في منصب الوزير الأوّل بديلا عن (عزيز مصر).
والإحتمال الآخر هو أنّه بقي مشرفاً على خزائن مصر - وهذا ما يستفاد من ظاهر الآية الكريمة، إلاّ أنّ الآيتين (100) و(101) واللتين يأتي تفسيرهما بإذن الله تدلاّن على أنّه أخيراً إستقلّ باُمور مصر - بدل الملك وصار هو ملكاً على مصر.
وبرغم أنّ الآية رقم (88) تقول: إنّ إخوة يوسف حينما دخلوا عليه نادوه باسم (ياأيّها العزيز) وهذا دليل على أنّه استقلّ بمنصب عزيز مصر، لكن نقول: إنّه لا مانع من أن يكون يوسف قد إرتقى سلّم المناصب تدريجاً حيث كان في أوّل الأمر مشرفاً على الخزائن، ثمّ جُعل الوزير الأوّل، وأخيراً صار ملكاً على مصر.
﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ﴾ في مصر ﴿إِنِّي حَفِيظٌ﴾ لها أو للحساب ﴿عَلِيمٌ﴾ بأمرها.