لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير إقتراح جديد من يوسف لاُخوته: وكما كان متوقّعاً، فقد تحسّنت الزراعة في مصر خلال سبع سنوات متتالية وذلك على أثر توالي الأمطار ووفرة ماء النيل وكثرته، ويوسف الذي كان مسؤولا عن الشؤون الإقتصادية في مصر ومشرفاً على خزائنها، أمر ببناء المخازن الكبيرة والصغيرة التي تستوعب الكميّات الكبيرة من المواد الغذائية وتحفظها عن الفساد، وقد أجبر أبناء الشعب على أن يبيعوا للدولة الفائض عن حاجتهم من الإنتاج الزراعي، وهكذا امتلأت المخازن بالمنتوجات الزراعية والإستهلاكية ومرّت سبع سنوات من الرخاء والوفرة، وبدأ القحط والجفاف يُظهر وجهه الكريه، ومنعت السّماء قطرها، فلم تينع ثمرة، ولم تحمل نخلة. وهكذا أصاب عامّة الشعب الضيق وقلّت منتوجاتهم الزراعية، لكنّهم كانوا على علم بخزائن الدولة وإمتلائها بالمواد الغذائية، وساعدهم يوسف حيث إستطاع - بخطّة محكمة ومنظّمة مع الأخذ بعين الإعتبار الحاجات المتزايدة، في السنين القادمة - أن يرفع الضيق عن الشعب بأن باع لهم المنتوجات الزراعية مراعياً في ذلك العدالة بينهم. وهذا القحط والجفاف لم يكن مقتصراً على مصر وحدها، بل شمل البلدان المحطية بها أيضاً، ومنهم شعب فلسطين وأرض كنعان المتاخمة لمصر والواقعة على حدودها في الشمال الشرقي، وكانت عائلة يوسف تسكن هناك وقد تأثّرت بالجفاف. واشتدّ بهم الضيق، بحيث اضطرّ يعقوب أن يرسل جميع أولاده - ما عدا بنيامين الذي أبقاه عنده بعد غياب يوسف - إلى مصر، حيث سافروا مع قافلة كانت تسير إلى مصر ووصلوا إليها - كما قيل - بعد 18 يوماً. وتذكر المصادر التاريخيّة أنّ الأجانب عند دخولهم إلى الأراضي المصرية كانوا ملزمين بتسجيل أسمائهم في قوائم معيّنة لكي تعرض على يوسف، ومن هنا فحينما عرض الموظفون تقريراً على يوسف عن القافلة الفلسطينية وطلبهم للحصول على المؤن والحبوب رأى يوسف أسماء اُخوته بينهم وعرفهم وأمر بإحضارهم إليه، دون أن يتعرّف أحد على حقيقتهم وأنّهم اُخوته... يقول القرآن الكريم: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون) وكان طبيعيّاً أن لا يتعرّف إخوة يوسف عليه لأنّه في جانب كان قد مضى على فراقهم إيّاه منذ أن أودعوه الجبّ وخرج منه ودخل إلى مصر ما يقرب من أربعين سنة، ومن جهة أُخرى كان لا يخطر ببالهم أنّ أخوهم صار عزيزاً لمصر، وحتّى لو رأوا الشبه بين العزيز وبين أخيهم لحملوه على الصدفة. إضافةً إلى هذا فإنّ ملابس يوسف تختلف عن السابق، ومن الصعب عليهم معرفة يوسف وهو في ملابس أهل مصر، كما أنّ إحتمال بقاء يوسف على قيدالحياة بعد هذه المدّة كان ضعيفاً عندهم، وعلى أيّة حال فإنّ إخوة يوسف قد اشتروا ما طلبوه من الحبوب ودفعوا ثمنه بالأموال أو الكُندر أو الأحذية أو بسائر ما جلبوه معهم من كنعان إلى مصر. أمّا يوسف فإنّه قد رحّب بإخوته ولاطفهم وفتح باب الحديث معهم، قالوا: نحن عشرة إخوة من أولاد يعقوب، ويعقوب هو ابن إبراهيم الخليل نبي الله العظيم، وأبونا أيضاً من أنبياء الله العظام، وقد كبر سنّه وألمّ به حزن عميق ملك عليه وجوده. فسألهم يوسف: لماذا هذا الغمّ والحزن؟ قالوا: كان له ولد أصغر من جميع إخوته وكان يحبّه كثيراً، فخرج معنا يوماً للنزهة والتفرّج والصيد وغفلنا عنه فأكله الذئب، ومنذ ذلك اليوم وأبونا يبكي لفراقه. نقل بعض المفسّرين أنّه كان من عادة يوسف أن لا يعطي ولا يبيع لكلّ شخص إلاّ حمل بعير واحد، وبما أنّ إخوته كانوا عشرة فقد باع لهم 10 أحمال من الحبوب، فقالوا: إنّ لنا أباً شيخاً كبيراً عاجزاً عن السفر وأخاً صغيراً يرعى شؤون الأب الكبير، فطلبوا من العزيز أن يدفع إليهم حصّتهما، فأمر يوسف أن يضاف إلى حصصهم حملان آخران، ثمّ توجّه إليهم مخاطباً إيّاهم وقال: إنّي أرى في وجوهكم النبل والرفعة كما إنّكم تتحلّون بأخلاق طيبة، وقد ذكرتم انّ أباكم يحبّ أخاكم الصغير كثيراً، فيتّضح أنّه يمتلك صفات ومواهب عالية وفذّة ولهذا أحبّ أن أراه إضافة إلى هذا، فإنّ الناس هنا قد أساؤوا الظنّ بكم واتّهموكم، لأنّكم من بلد أجنبي، فأتوا بأخيكم الصغير في سفركم القادم لتثبتوا صدقكم، وتدفعوا التّهمة عن أنفسكم. ﴿وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ﴾ غير بنيامين ﴿فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ لم يعرفوه لبعد العهد إذ مدة مفارقتهم أربعون سنة.