أمّا يوسف الذي كانت نفسه تأبى أن يرى إخوته في حال الخجل والندامة - خاصّة في هذه اللحظات الحسّاسة وبعد إنتصاره عليهم - أو لعلّه أراد أن يدفع عن أذهانهم ما قد يتبادر إليها من إحتمال أن ينتقم منهم، فخاطبهم بقوله: (قال لا تثريب عليكم اليوم)(6) أي أنّ العتاب والعقاب مرفوع عنكم اليوم، اطمئنوا وكونوا مرتاحي الضمير ولا تجعلوا للآلام والمصائب السابقة منفذاً إلى نفوسكم، ثمّ لكي يبيّن لهم أنّه ليس وحده الذي أسقط حقّه وعفا عنهم، بل إنّ الله سبحانه وتعالى أيضاً عفا عنهم حينما أظهروا الندامة والخجل قال لهم: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) أي إنّ الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتكم وعفا عنكم لأنّه أرحم الراحمين.
وهذا دليل على علو قدر يوسف وغاية فضله حيث إنّه لم يعف عن سيّئات إخوته فحسب، بل رفض حتّى أن يوبّخ ويعاتب إخوته - فضلا عن أن يجازيهم ويعاقبهم - إضافةً إلى هذا فإنّه طمأنهم على أنّ الله سبحانه وتعالى رحيم غفور وأنّه تعالى سوف يعفو عن سيّئاتهم، وإستدلّ لهم على ذلك بأنّ الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين.
﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ﴾ توبيخ ﴿عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ الذي هو مظنة فغيره أولى ﴿يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ﴾ دعاء لهم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ فينعم بالمغفرة وغيرها.