لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وهنا تذكر الإخوة مصيبة أُخرى قد ألمّت بعائلتهم والشاهد الحي على ما إقترفوه في حقّ أخيهم ألا وهو أبوهم حيث فقد الشيخ الكبير بصره حزناً وفراقاً على يوسف، أمّا يوسف فإنّه قد وجد لهذه المشكلة حلا حيث خاطبهم بقوله: (إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً) ثمّ طلب منهم أن يجمعوا العائلة ويأتوا بهم جميعاً (وأتوني بأهلكم أجمعين). بحوث 1 - من الذي حمل قميص يوسف؟ ورد في بعض الرّوايات أنّ يوسف قال: إنّ الذي يحمل قميصي المشافي إلى أبي لابدّ وأن يكون هو نفسه الذي حمل قميصي الملطّخ بالدماء إليه، لكي يدخل السرور على قلبه بعد أن ملأ قلبه حزناً وألماً من قبل! فأعطى لـ(يهودا) قميصه بعد أن اعترف له أنّه هو الذي حمل قميصه الملطّخ بالدماء إلى أبيه وأخبره بأنّ الذئب قد أكل يوسف، وهذا التصرّف من يوسف إن لم يدلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّه برغم أعماله الكثيرة ومتاعبه اليوميّة، فإنّه لم يغفل عن صغائر الأُمور المتعلّقة بالسلوك الأخلاقي(7). 2 - يوسف وجلالة شأنه: ورد في بعض الرّوايات أنّ إخوة يوسف - بعد هذه القضايا - كانوا يحسّون بالخجل الشديد فأرسلوا إليه من يقول له: يايوسف إنّك تستضيفنا كلّ يوم صباحاً ومساءً - على مائدتك فنأكل من زادك وهذا ما يزيد في خجلنا حيث لا نطيق النظر إلى وجهك بعد أن نتذكّر إساءتنا إليك، فأجابهم بكلمة لطيفة ليبعد عنهم الخجل بأنّ الفضل يعود إليهم، وأنّ جلوسهم على مائدته لهو مكرمة منهم وإنّ الشعب المصري كانوا ينظرون إليّ نظرة الحرّ إلى العبد ويقولون فيما بينهم (سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ!!) أي انظروا إلى فعل الله سبحانه وتعالى بهذا العبد فإنّه قد بيع في السوق بعشرين درهماً وهو الآن وصل إلى هذه المرتبة السامية، لكنّهم الآن ينظرون إلى مائدتي وأنتم جلوس حولها، فيعرفون قدري وتثبت لهم منزلتي وإنّني لست بعبد ذليل بيع بعشرين درهماً، وإنّما أنا سليل بيت النبوّة والرسالة ومن أولاد نبي الله إبراهيم الخليل، وهذا ما اُباهي وأفتخر به أمام الآخرين(8). 3 - الشكر على الإنتصار: إنّ الآيات السابقة تعلّمنا بجلاء ووضوح درساً من دروس الأخلاق الإسلامية، وهو أنّه بعد الإنتصار على العدو وكسر شوكته لابدّ أن لا ننسى العفو والرحمة، وأن لا نعامله بقساوة، فإنّ إخوة يوسف قد عاملوه أشدّ المعاملة أشرفت به على نهايته وأوصلته إلى أبواب الموت، ولو لم تشمله عناية الله سبحانه وتعالى، لعجز عن الخلاص ممّا أوقعوه فيه، هذا إضافة إلى المصائب والآلام التي تحملها أبوه، لكنّهم الآن جميعاً واقفون أمّام يوسف وهو السيّد المطاع وبيده القوّة والقدرة، لكنّه عاملهم بلطف وإحسان. كما أنّه يفهم من خلال حديثه معهم أنّه لم يحقد عليهم قطّ، بل الذي يقلقه هو تذكّر الإخوة ماضيهم الأسود ويحسّوا بالخجل! ولذا حاول جاهداً أن يريحهم من هذا القلق ويزيح هذا الكابوس عن صدورهم، بل أكثر من هذا فإنّه حاول أن يفهمهم أنّ لهم عليه فضلا في مجيئهم إلى مصر والتعرّف عليهم، فإنّهم كانوا السبب في كشف حقيقته أمام الشعب في هذا البلد، حيث عرف أهل مصر أنّ عزيزهم هو سليل بيت النبوّة والرسالة وليس عبداً بيع في السوق بدراهم معدودات، ومن هنا فإنّ يوسف كان يرى لهم في ذلك فضلا ومنّة! ومن حسن الصدف أنّنا نرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمتحن بمثل هذه المواقف الحرجة، فمثلا حينما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكّة وأذلّ المشركين وهزمهم وكسر أصنامهم وداس شوكتهم وكبرياءهم، جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (كما رواه ابن عبّاس) إلى جوار الكعبة وأخذ بحلقة بابها وكان المشركون قد التجوا إليها هم ينتظرون حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم، وقال كلمته المشهورة: "الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" ثمّ توجّه إلى قريش وخاطبهم بقوله: "ماذا تظنّون يامعشر قريش؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت! قال: وأنا أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم". أي أنّ اليوم ليس يوم ملامة وإنتقام وإظهار الحقد والضغينة "اذهبوا فأنتم الطلقاء". فقال عمر بن الخطاب: ففضت عرقاً من الحياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك إنّي قد كنت قلت لهم حين دخلنا مكّة: اليوم ننتقم منكم ونفعل(9). كما أنّه وردت في كثير من الرّوايات الإسلامية أنّ "زكاة النصر هو العفو". يقول علي (عليه السلام): "إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه"(10). ﴿اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا﴾ وهو المتوارث الذي كان في تعويذه ﴿فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ﴾ بعد ﴿بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾.