ولهذا فلا تعجب لعدم إيمانهم بالآيات المنزلة عليك، لأنّهم لم يؤمنوا بالآيات المحيطة بهم من كلّ مكان (وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون).
قد يتصوّر هؤلاء أنّهم من المؤمنين المخلصين ولكن غالباً ما توجد جذور الشرك في أفكارهم وأقوالهم وضمائرهم.
ليس الإيمان هو الإعتقاد بوجود الله فقط، فالمؤمن المخلص هو الذي لا يعتقد بأيّ معبود سوى الله، فتكون أقواله وأعماله وكلّ أفعاله خاضعة له.
ولا يعترف بغير قانون الله، ولا يضع طوق العبوديّة في رقبته لغيره، ويمتثل بقلبه وروحه لكلّ الأوامر الإلهيّة ولو كانت مخالفة لهواه، ويُقدّم دائماً الإله على الهوى، هذا هو الإيمان الخالص من الشرك في العقيدة والقول والعمل، فلو حسبنا حساباً دقيقاً في هذا المجال لوجدنا أنّ الموحّدين الصادقين والمخلصين قليلون جدّاً.
ولهذا السبب نقرأ في الرّوايات الإسلامية ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) "الشرك أخفى من دبيب النحل"(2).
أو نقرأ: "إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يارسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جاء الناس بأعمالهم: "اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء"(3).
ونُقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية أعلاه حيث يقول "شرك طاعة وليس شرك عبادة، والمعاصي التي يرتكبون وهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره"(4).
وفي بعض الرّوايات نقرأ أنّ المقصود من (شرك النعمة) بهذا المعنى أنّ الله يهب الإنسان شيئاً فيقول: إنّ فلاناً قد جاءني به فلو لم يكن فلان لكنتُ من الهالكين! وكانت حياتي هباءاً منثوراً، فهنا قد إعتبر الشريك مع الله الشخص الذي جرت على يده نعمة الله!
الخلاصة: إنّ ما يُفهم من الشرك ليس الكفر وإنكار الإله وعبادة الأصنام فقط، كما جاء في حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) "شرك لا يبلغُ به الكفر" ولكن الشرك بمعناه الواسع يشمل جميع هذه الأُمور.
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ﴾ في اعترافهم بإلهيته وربوبيته ﴿إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ بعبادتهم غيره أو بجحد القرآن ونبوة محمد أو بطاعة الشيطان في المعاصي أو بنحو قولهم لو لا فلان لهلكت، روي أنه شرك طاعة لا شرك عبادة.