التّفسير
آيات الله في السّماء والأرض وعالم النّبات:
مرّةً أُخرى نواجه الحروف المقطّعة في بداية هذه السورة، والتي وردت في(29) سورة أُخرى، ولكن الحروف المقطّعة المذكورة هنا تتكوّن من (الم) التي وردت في بداية عدّة سور، و (الر) والتي وردت في بداية سور أُخرى، وفي الواقع إنّ هذه السورة تنفرد عن غيرها من السور بـ(المر).
ومن المعتقد في تفسير الحروف المقطّعة أنّ لها إرتباطاً مباشراً بمعاني نفس السورة، فمن المحتمل أنّ هذا التركيب في بداية سورة الرعد يشير إلى جمعها لمحتوى مجموعتين من السور التي تبتدىء بـ(الم) و (الر).
وإذا ما أمعنا النظر في محتوى هذه السور نجدها مطابقة لما قلناه، وبخصوص تفسير الحروف المقطّعة كانت لنا شروح مفصّلة عنها في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف فلا ضرورة في التكرار.
وعلى أيّة حال فالآية الأُولى من هذه السورة تتحدّث عن عظمة القرآن (تلك آيات الكتاب والذي اُنزل إليك من ربّك الحقّ)(1).
ولا يوجد أي شك أو ترديد في هذه الآيات، لأنّها تبيّن عين الحقيقة للكون ونظامه المرتبط بالإنسان.
فهو حقّ لا يشوبه باطل، ولهذا السبب فإنّ علائم الحقّ واضحة فيه لا تحتاج إلى براهين (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون).
لأنّ الناس إذا ما تُركوا وشأنهم ولم يتّبعوا معلماً صادقاً يهديهم ويربيهم في حياتهم وكانوا أحراراً في أتباع أهوائهم فانّهم سوف يتيهون في الطريق ويضلّون عن الحقّ.
وأمّا إذا كان الرسل وهداة الحقّ همُ الأئمّة والقادة حيث يضع الفرد نفسه في تصرّفهم، فإنّ الأكثرية تسير في طريق الحقّ.
ثمّ تتطرّق السورة إلى شرح القسم المهمّ من أدلّة التوحيد وآيات الله في الكون، وتتجوّل بالإنسان في عرض السّماوات وتريه الكواكب العظيمة وأسرار هذا النظام وحركته، حتّى يؤمن بالقدرة المطلقة والحكمة اللامتناهية (الله الذي رفع السّماوات بغير عمد ترونها)(2).
الجملة (بغير عمد ترونها) لها تفسيران:
1 - فكما ترون أنّ السّماء مرفوعة بدون عمد (أي انّها في الأصل بلا عمد كما ترونها فعلا).
2 - والثانية إن (ترونها) صفة للعمد فيكون المعنى: إنّ السّماء مرفوعة بعمد ولكن لا ترونها لأنّها غير مرئية!
﴿المر﴾ مروي معناه أنا الله المحيي المميت الرازق ﴿تِلْكَ﴾ الآيات هي ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ القرآن أو السورة ﴿وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ أي القرآن ﴿الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ بحقيقته لتركهم تدبره.