لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
قوله تعالى: (وهو الذي مدّ الأرض) وبسطها بالشكل الذي تتهيّأ فيه لحياة الإنسان ونمو النباتات والحيوانات، وملأ الأودية والمنحدرات الصعبة بالتراب من خلال تفتّت الصخور الجبليّة، وجعل الأرض مسطّحة وقابلة للسكن، بعد أن كانت التضاريس مانعة من سكن الإنسان عليها. وقد يحتمل في تفسير هذه الجملة (مدّ الأرض) الإشارة إلى ما يقوله علماء الطبيعة من أنّ الأرض كانت مغطاة بالماء. ثمّ إستقرّت المياه في الوديان ظهرت اليابسة، وبمرور الوقت اتّسعت حتّى أصبحت على ما نراه اليوم. ثمّ يشير القرآن الكريم إلى ظهور الجبال (وجعل فيها رواسي) فهي تلك الجبال التي عبّرت عنها في آيات أُخرى بـ(الأوتاد) ولعلّ ذلك إشارة إلى أنّها متشابكة فيما بينها من الأسفل مثلها مثل الدرع الواقي وتغطّي سطح الأرض، فهي تبطل الضغوط الداخلية في الأسفل والضغط الخارجي المتمثّل بجاذبية القمر والمدّ والجزر. وكذلك تقضي على الإضطرابات والزلازل، وتجعل الأرض مستقرّة وساكنة وصالحة لحياة الإنسان. إنّ ذكر القرآن الكريم الجبال بعد مدّ الأرض يُحتمل أن يكون المراد منه أنّ الأرض ليست منبسطة بشكل تامّ بحيث تنعدم فيها المرتفعات، ففي هذه الصورة لا تستقرّ فيها الأمطار والمياه، أو تتحوّل إلى مستنقعات وتجري فيها السيول وتتعرّض للطوفانات الدائمة، فخلق الجبال لتأمن البشرية من هذين الأمرين. وليست الأرض كلّها جبالا وودياناً فتكون غير قابلة للسكن، بل تحتوي على مناطق منبسطة ومناطق جبلية ووديان، وهذه أفضل صيغة لحياة الإنسان والكائنات الحيّة. ثمّ تضيف الآية بعد ذلك الأنهار (وأنهاراً). رائع جدّاً نظام سقي الأرض بواسطة الجبال، وعلاقة الأنهار بالجبال، لأنّ كثيراً من الجبال تختزن المياه بشكل ثلوج على قممها وفي شقوق الوديان، ثمّ تذوب تدريجيّاً، وطبقاً لقانون الجاذبية تأخذ طريقها من المناطق المرتفعة إلى المناطق المنخفضة بدون أن تحتاج إلى قوّة أُخرى لمساعدتها، فهي تقوم بسقي كثير من المناطق وبشكل طبيعي على مدار السنة. فلو لم يكن للأرض إنحدار كاف ولم تختزن الجبال المياه بهذا الشكل، لكان سقي كثير من المناطق اليابسة صعباً، وفي حالة الإمكان كُنّا نحتاج إلى صرف مبالغ هائلة لإيصال الماء إليها. ثمّ يذكر القرآن بعد ذلك النباتات والأشجار التي تتكوّن من الأرض والمياه وأشعّة الشمس، والتي هي أفضل وسيلة لإمرار الإنسان بالغذاء: (ومن كلّ الثمرات جعل فيها زوجين إثنين). والآية تشير هنا إلى أنّ الفاكهة كائنات حيّة فيها الذكر والاُنثى، وبواسطة التلقيح تتكوّن الثمار. فإذا كان العالم السويدي "لينه" المختص بعلم النبات هو الذي توصّل إلى هذه الحقيقة في حوالي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وهي أنّ التزويج في عالم النباتات يعتبر قانوناً عامّاً تقريباً كالحيوانات ولها نُطَف ذكرية واُنثوية وأنّ الثمرة تتكوّن من التلقيح. فالقرآن الكريم قبل ألف ومائة عام من ذلك كشف لنا عن هذه الحقيقة، وهذه واحدة من معاجز القرآن العلمية التي تبيّن عظمة هذا الكتاب السّماوي الكبير. وليس من شكّ أنّ ما قبل "لينه" كان كثير من العلماء يعتقدون بوجود الذكور والإناث في بعض الأشجار، حتّى الناس العاديين كانوا يعلمون بذلك، ولكن لم يكن يعلم أي واحد أنّ هذا القانون عام، حتّى كشفه "لينه" ومن قبله القرآن الكريم. وبما أنّ حياة الإنسان وكلّ الكائنات - وخصوصاً النباتات - لا يمكن لها الإستمرار إلاّ بوجود نظام دقيق للّيل والنهار، فإنّ القرآن يشير إلى ذلك في القسم الآخر من الآية (يغشي الليل النهار). ولولا ظلمة الليل وهدوؤه، لأحرقت الشمس بنورها المستمر كلّ النباتات، ولم تبق فاكهةً ولا أي كائن حي على وجه الأرض، فسطح القمر ليس له نهار دائم ومع هذا نجد أن حتّى هذا المقدار من نهاره الذي يعادل خمسة عشر يوماً من أيّام الأرض. نرى أنّ درجة فيها مرتفعة جدّاً بحيث لو وضعنا هناك ماءاً أو أي سائل آخر فسوف يغلي ويتبخّر، ولا يمكن لأي موجود حيّ في الأرض أن يتحمّل هذه الحرارة. وتبيّن الآية في النهاية (إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون) أُولئك الذين يتفكّرون في هذا النظام الرائع، في نظام النّور والظلام، وحركة الأجرام السّماوية، وتسخير الشمس والقمر وجعلها في خدمة الإنسان، وفي نظام مدّ الأرض وأسرار خلق الجبال والأنهار والنباتات، نعم! فهم يرون بوضوح في هذه الآيات الحكمة المطلقة والقدرة اللامتناهية للخالق العلاّم. ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ﴾ بسطها لمنافع خلقه ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ جبالا ثوابت ﴿وَأَنْهَارًا﴾ قرنت بالجبال لأنها أسبأب لتفجرها ﴿وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ من أنواعها ﴿جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ﴾ صنفين ﴿اثْنَيْنِ﴾ كالحلو والحامض والليل والنهار ونحوها ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ يلبسه بظلمته وترك العكس للعلم به ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَآيَاتٍ﴾ دلالات على وحدانيته ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيها.