لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي الآية الأخيرة من هذه المجموعة يشير القرآن الكريم إلى عدّة نقاط حول علم الأرض وعلم النبات، والتي تعبّر عن النظام الدقيق للخلقة، يقول أوّلا (وفي الأرض قطع متجاورات)(5) فبالرغم من أنّ هذه القطع متصلة مع بعضها البعض، فإنّ لكلّ واحد منها بناءه وتركيبه الخاص به، فبعضها قوي والآخر ضعيف، وبعضها مالح والآخر حلو، وكلّ قطعة لها الإستعداد في تربية نوع خاص من النباتات وأشجار الفاكهة والزراعة، لأنّ إحتياجات الإنسان والحيوان كثيرة ومتفاوتة، وقد تكون لكلّ قطعة من الأرض المسؤولية في تلبية إحدى هذه الحاجات. وأمّا إذا كانت في مستوىً واحد، أو لم تكن إستعداداتها مقسّمة بالشكل المطلوب، لكان الإنسان يمرّ بأزمة ونقص في مواده الغذائية والطبية وسائر الإحتياجات الأُخرى، ولكن هذا التقسيم المناسب للمسؤولية وتوزيعها على القطعات المختلفة للأرض سوف يسدّ الإحتياجات اللازمة للإنسان. قوله تعالى: (وجنّات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان)(6). "صنوان" جمع "صنو" بمعنى الغصن الخارج من أصل الشجرة، وعليه فالكلمة تعني الأغصان المختلفة الخارجة من أصل الشجرة. والملفت للنظر أنّه يمكن أن يكون لكلّ واحد من هذه الأغصان نوع خاصّ من الثمر، وهذه قد تشير إلى قابلية الأشجار للتركيب. ففي بعض الأحيان يتمّ تركيب عدّة أغصان مختلفة على ساق واحدة، وبعد نمو هذه التراكيب تعطي كلّ واحدة منها نوعاً خاصاً من الثمر، فالتربة واحدة والساق والجذر واحد ولكن الثمر مختلف. والأعجب من ذلك أنّها تسقى بماء واحد (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل). وقد نرى كثيراً أنّه في الشجرة الواحدة أو في غصن واحد توجد ثمار من نفس الصنف ولكن لها أطعمة وألوان مختلفة، وفي العالم نشاهد أوراداً كثيرة، وقد يحمل الغصن الواحد أوراداً مختلفة الألوان. أي مختبر للأسرار هذا الذي يعمل في أغصان الأشجار، والذي ينتج من مواد قليلة متحدة، تركيبات مختلفة تؤمّن إحتياجات الإنسان. أليست هذه الأسرار تدلّ على وجود من يقود هذا النظام بالعلم والحكمة. وهنا في آخر الآية يقول تعالى: (إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون). هناك عدّة نقاط 1 - ما هي وجه العلاقة بين التوحيد والمعاد؟ كان الحديث في بداية الآية عن التوحيد وأسرار الكون، ولكن نقرأ في نهايتها (يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون) فما هي وجه العلاقة بين التوحيد والمعاد حتّى تكون الواحدة نتيجة للاُخرى؟ للإجابة على هذا السؤال لابدّ من ملاحظة ما يلي: أ - إنّ قدرة الله على إيجاد الكون دليل على قدرته في إعادته كما نقرأ في الآية (29) من سورة الأعراف (كما بدأكم تعودون) أو نقرأ في أواخر سورة "يس" قوله تعالى: (أو ليس الذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم). ب - وكما قلنا في بحثنا عن المعاد، فإنّه لا فائدة من خلق العالم إذا لم تكن الآخرة حقيقة، لأنّه لا يمكن أن تكون هذه الحياة هي الهدف من خلق هذا العالم الواسع. يقول القرآن الكريم ضمن آياته المتعلّقة بالمعاد من سورة الواقعة آية (62): (ولقد علمتم النشأة الأُولى فلولا تذكرون)(7). 2 - الإعجاز العلمي للقرآن هناك آيات كثيرة في القرآن المجيد أزاحت الستار عن مجموعة من الأسرار العلمية التي كانت خافية على العلماء في ذلك الوقت. وهذه واحدة من دلائل إعجاز وعظمة القرآن، وغالباً ما كان يشير إليها كثير من المحقّقين في مسألة الإعجاز. فمن جملة هذه الآيات ما ذكرناه آنفاً وهي الآية التي تذكر الزوجية في النباتات، فكما قلنا سابقاً: إنّ ظاهرة الزوجية في النباتات كانت معروفة للناس منذ القديم ولو بشكلها الجزئي، ولكن لم تكن تعرف بشكل قانون عام حتّى أواسط القرن الثامن عشر حين إستطاع العالم "لينه" والأوّل مرّة أن يكشف عن هذه الحقيقة، ولكن القرآن الكريم أخبر بذلك قبل أكثر من ألف عام. كما أشار القرآن إلى هذا الموضوع في سورة لقمان الآية 10 قوله تعالى: (وأنزلنا من السّماء ماء فأنبتنا فيها من كلّ زوج كريم). كما أشارت إليها آيات أُخرى. 3 - تسخير الشمس والقمر قرأنا في الآيات السابقة أنّ الله سخّر الشمس والقمر، كما نقرأ في آيات كثيرة أُخرى عن تسخير السّماء والأرض والليل والنهار للإنسان. فنقرأ في آية (وسخّر لكم الأنهار)(8) وفي آية أُخرى (وسخّر لكم الفلك)(9)(سخّر لكم الليل والنهار)(10) (وسخّر لكم الشمس والقمر)(11) (وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً)(12) (ألم تر أنّ الله سخّر لكم ما في الأرض)(13) (وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعاً منه)(14). من مجموع هذه الآيات يمكن أن نستفيد ما يلي: أوّلا: إنّ الإنسان أكمل من جميع الموجودات في هذا العالم، فمن وجهة إسلامية نرى أنّ الشريعة الإسلامية تعطي للإنسان القيمة الكبيرة بحيث تسخّر له كلّ ما في الكون، فهو خليفة الله، وقلبه مستودع نوره! ثانياً: ويتّضح أنّ التسخير ليس المقصود منه أنّ جميع هذه الكائنات هي تحت إمرة الإنسان، بل هي بقدر معيّن تدخل ضمن منافعه وخدمته، وعلى سبيل المثال فإنّ تسخير الكواكب السّماوية من أجل أن يستفيد الإنسان من نورها أو لفوائد أُخرى. فلا يوجد أي مبدأ يقيّم الإنسان بهذا الشكل، ولا يوجد في أيّة فلسفة هذا المقام لشخصيته، فهذه من خصائص المدرسة الإسلامية التي ترفع من قيمة الإنسان بهذا الشكل الكبير، فالمعرفة بها لها أثر عميق على تربيته، لأنّه حينما يفكر الإنسان بتعظيم الله له، وتسخير السحاب والهواء والشمس والقمر والنّجوم وجعلها في خدمته، فمثل هذا الإنسان لا تعتريه الغفلة ولا يكون عبداً للشهوات وأسيراً للمال والمقام، بل يحطّم القيود ويتطلّع إلى آفاق السّماء. كيف يمكن القول: إنّ الشمس والقمر غير مسخّرين للإنسان في الوقت الذي نرى أنّ في أشعّتها نور يضيء حياة الإنسان ويحافظ على دفئه، ولولا أشعّة الشمس لما وجدت أي حركة أو نشاط على الكرة الأرضية، ومن جهة أُخرى فإنّ جاذبيتها تنظم حركة الأرض حول مدارها، وتوجد ظاهرة المدّ والجزر في البحار بمساعدة القمر وهي بالتالي منبع لكثير من الفوائد والبركات. فالبحار والأنهار، والليل والنهار، والفلك; كلّ واحدة هي في خدمة الإنسان ومصالحه. والدقّة في هذا التسخير والنظام دليل واضح على عظمة وقدرة وحكمة الخالق المتعال. ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ﴾ بقاع متلاصقات مختلفات لكل قطعة كيفية ليست للأخرى منها طيبة وسبخة وسهلة وحزنة واختلافها مع اشتراكها في الأرضية وعوارضها إنما يكون بتخصيص قادر مختار عليم حكيم ﴿وَجَنَّاتٌ﴾ بساتين ﴿مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ﴾ جمع صنو وهي نخلات أصلها واحد ﴿وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ متفرقة الأصول ﴿يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ﴾ في الثمر طعما ولونا وشكلا وهو من دلائل قدرته تعالى ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتدبرون بعقولهم.