التّفسير
تعجّب الكفّار من المعاد:
بعد ما إنتهينا من البحث السابق عن عظمة الله ودلائله، تتطرّق الآية الأُولى من هذه المجموعة إلى مسألة المعاد التي لها علاقة خاصّة بمسألة المبدأ، ويؤكّد القرآن الكريم هذا المعنى حيث يقول: (وإن تعجب فعجب قوله أءِذا كنّا تراباً أَءِنّا لفي خلق جديد)(1) أي إذا أردت أن تتعجّب من قولهم هذا فتعجب لقولهم في المعاد.
هذا التعجّب من المعاد كان موجوداً عند جميع الأقوام الجاهلة، فهم يظنّون أنّ الحياة بعد الموت أمرٌ محال، ولكنّنا نرى أنّ الآيات السابقة وآيات أُخرى من القرآن الكريم تجيب على هذا التساؤل، فما هو الفرق بين بدء الخلق والبعث من جديد؟ فالقادر الذي خلقهم أوّل مرّة بإستطاعته أن يبعث الروح فيهم مرّة ثانية، وهل نسي هؤلاء بداية خلقهم حتّى يجادلوا في بعثهم!؟
ثمّ يبيّن حالهم الحاضر ومصيرهم في ثلاث جمل:
يقول أوّلا: (أُولئك الذين كفروا بربّهم) لأنّهم لو كانوا يعتقدون بربوبيّة الله لما كانوا يتردّدون في قدرة الله على بعث الإنسان من جديد، وعلى هذا فسوء ظنّهم بالمعاد هو نتيجة لسوء ظنّهم بالتوحيد وربوبية الله.
والأمر الآخر انّه بكفرهم وعدم إيمانهم وخروجهم من ساحة التوحيد قيّدوا أنفسهم بالأغلال، أغلال عبادة الأصنام والأهواء والمادة والجهل والخرافة، وجعلوها في أعناقهم (وأُولئك الأغلال في أعناقهم).
ومثل هؤلاء الأشخاص ليس لهم عاقبة سوى دخول النّار (وأُولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون).
﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ يا محمد في تكذيبهم ﴿فَعَجَبٌ﴾ حقيق بالعجب ﴿قَوْلُهُمْ﴾ في إنكار البعث ﴿أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ فإنهم مع إقرارهم بابتداء الخلق أنكروا الإعادة وهي أهون ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ﴾ لجحدهم قدرته على البعث ﴿وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ يوم القيامة أو أريد كفرهم ﴿وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ﴾ دائمون.