الآية الأُخرى تشير إلى صوت الرعد الذي يتزامن مع البرق (ويسبّح الرعد بحمده)(1).
نعم، فهذا الصوت المدوّي في عالم الطبيعة يُضرب به المثل، فهو مع البرق في خدمة هدف واحد ولهما منافع متعدّدة كما أشرنا إليها، ويقومان بعملية التسبيح، وبعبارة أُخرى فالرعد لسان حال البرق يحكي عن عظمة الخالق وعن نظام التكوين.
فهو كتاب معنوي، وقصيدة غرّاء، ولوحة جميلة وجذّابة، نظام محكم ومنظّم ومحسوب بدقّة، وبلسان حاله يتحدّث عن علم ومهارة وذوق الكاتب والرسام والمعمار ويحمده ويثني عليه، كلّ ذرّات هذا العالم لها أسرار ونظام دقيق.
وتحكي عن تنزيه الله وخلوّه من النقص والعيوب (وهل التسبيح غير ذلك؟!).
وتتحدّث عن قدرته وحكمته (وهل الحمد غير بيان صفات الكمال؟!).
وقد إحتمل بعض الفلاسفة أنّ لكلّ ذرّات هذا العالم نوعاً من العقل والشعور، فهي من خلال هذا العقل تسبّح الله وتقدّسه، ليس بلسان الحال فقط، بل بلسان المقال أيضاً.
وليس الرعد وسائر أجزاء العالم تسبّح بحمده تعالى، بل حتّى الملائكة (والملائكة من خيفته)(2) فهم يخافون من تقصيرهم في تنفيذ الأوامر الملقاة على عاتقهم، وبالتالي فهم يخشون العقاب الإلهي، ونحن نعلم أنّ الخوف يُصيب أُولئك الذين يحسّون بمسؤولياتهم ووظائفهم... خوف بنّاء يحثّ الشخص على السعي والحركة.
وللتوضيح أكثر في مجال البرق والرعد تشير الآية إلى الصاعقة (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) ومع كلّ ذلك - وبمشاهدة آيات العظمة الإلهية في عالم التكوين من السّماء والأرض والنباتات والأشجار والبرق والرعد وأمثالها، وفي قدرة الإنسان الحقيرة تجاه هذه الحوادث، حتّى في مقابل واحدة منها مثل شرارة البرق - نرى أنّ هناك جماعة جاهلة تجادل في الله (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال).
"المحال" في الأصل "الحيلة" بمعنى التدبير السرّي وغير الظاهر، فالذي له القدرة على هذا التدبير يمتلك العلم والحكمة العالية، ولهذا السبب يستطيع أن ينتصر على أعدائه ولا يمكن الفرار من حكومته.
وذكر المفسّرون وجوهاً عديدة في تفسير (شديد المحال) فتارةً بمعنى "شديد القوّة"، أو "شديد العذاب"، أو "شديد القدرة" أو "شديد الأخذ"(3).
﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ هو ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق السحاب كما روي أو سامعوه متلبسين بحمده أو يدعو الرعد إلى تسبيحه وحمده لما فيه من الآيات ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾ أي الله ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء﴾ فتحرقه ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ﴾ أي الكفار مع مشاهدتهم هذه الآيات يخاصمون النبي ﴿فِي اللّهِ﴾ في توحيده وقدرته على البعث ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ الكيد لأعدائه أي الأخذ أو النقمة.