الآية الأخيرة من هذه المجموعة، ولكي تُبرهن كيف أنّ المشركين ضلّوا الطريق تقول: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال).
بحوث
1 - ما هو المقصود من سجود الكائنات؟
السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع والتسليم، فإنّ جميع الملائكة والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين لأوامره، وهناك نوعان من السجود، سجود تكويني وهو أنّ الكلّ خاضعون ومسلّمون للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و... و...، والبعض منهم له سجود تشريعي بالإضافة إلى السجود التكويني، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله.
2 - ما هو معنى (طوعاً وكرهاً)؟
عبارة (طوعاً وكُرهاً) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم، وأمّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعيّة التي تسير بأمر الله إن شاؤوا وإن أبوا.
و (الكُره) بضمّ الكاف تعني الكراهية في داخل الإنسان، و (كَره) بفتح الكاف ما حُمل عليه الإنسان من خارج نفسه، وبما أنّ الأشخاص غير المؤمنين مقهورون للعوامل الخارجية وللقوانين الطبيعيّة، إستعمل القرآن (كَره) بفتح الكاف.
ويحتمل في تفسير (طوعاً وكرهاً) أنّ المقصود من "طوعاً" هو التوافق والميل الفطري والطبيعي بين الإنسان والأسباب الطبيعيّة (مثل حبّ أي إنسان للحياة) والمقصود من "كَرهَاً" هو ما فُرض على الإنسان من الخارج مثل موت أحد الأشخاص بسبب المرض أو أي عامل طبيعي آخر.
3 - ما هو معنى كلمة (الظِّلال)؟
"الظِّلال" جمع "ظِل" وإستعمال هذه الكلمة في الآية يشير إلى أنّ المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي، فظِلال الكائنات ليست خاضعة لإرادتهم وإختيارهم، بل هو تسليم لقانون الضوء، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني، يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة.
وطبيعي ليس المقصود من "الظلال" أنّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود مادّي كي يكون لها ظلال، ولكن الآية تشير إلى تلك الأشياء التي لها ظلال، فمثلا يُقال: إنّ جمعاً من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي، وليس المقصود هنا أنّ لكلّ العلماء أبناء "فتدبّر".
وعلى أيّة حال فإنّ الظلّ أمر عدمي، وهو ليس أكثر من فقدان النّور، ولكن له آثاراً ووجوداً بسبب النّور المحيط به، ولعلّ الآية تشير إلى هذه النقطة، وهي أنّه حتّى الظلال خاضعة لله.
4 - ما هو معنى كلوة (الآصال)؟
"الآصال" جمع "أُصل" وهي جمع "أصيل" ومعناه آخر وقت من النهار، ولذلك يعتبر أوّل الليل، والغدو جمع غداة بمعنى أوّل النهار.
ورغم انّ السجود والخضوع للأشياء الكونية في مقابل الأوامر الإلهيّة دائمة ومستمرّة في كلّ وقت، ولكن ذكرها هنا في موقعين (الصبح والعشاء) إِمّا أنّه كناية عن دوام الوقت، فمثلا تقول: إنّ فلاناً يطلب العلم صباحاً ومساءاً، فالمقصود وهو أنّه في كلّ وقت يطلب العلم، وإِمّا أن يكون المقصود من الآية ما جاء في الكلام عن الظلال والتي تكون واضحة أكثر في أوّل النهار وآخره.
﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا﴾ كالملائكة أو المؤمنين ﴿وَكَرْهًا﴾ كالكفرة المكرهين بالسيف وهما حالان أو علتان ﴿وَظِلالُهُم﴾ بتبعيتهم أو أريد خضوعهم لنفوذ مشيئته فيهم ﴿بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ بالبكر والعشيات أي دائما ظرف ليسجد أو حال لظلالهم.