لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير لماذا عبادة الأصنام؟ كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله وإثبات وجوده، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات، حيث تخاطب - أوّلا - النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول: (قل من ربّ السموات والأرض). ثمّ تأمر النّبي أن يجيب على السؤال قبل أن ينتظر جوابهم (قل الله) ثمّ إنّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة (قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً). لقد بيّن - أوّلا - عن طريق ربوبيته أنّه المدبّر والمالك لهذا العالم، ولكلّ خير ونفع من جانبه، وقادر على دفع أي شرّ وضرّ، وهذا يعني أنّكم بقبولكم لربوبيته يجب أن تطلبوا كلّ شيء من عنده لا من الأصنام العاجزة عن حلّ أيّة مشكلة لكم. ثمّ يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يقول: إنّ هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً فكيف يمكنها أن تنفعكم أو تضرّكم؟ وهم والحال هذه لا يحلّون أي عقدةً لكم حتّى لو قمتم بعبادتهم، فهؤلاء لا يستطيعون تدبير أنفسهم فماذا يُنتظر منهم؟ ثمّ يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الأفراد الموحّدين والمشركين، فيقول أوّلا: (قل هل يستوي الأعمى والبصير) فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر، ولا يصحّ قياس الأصنام على الخالق جلّ وعلا. ويقول ثانياً: (أم هل تستوي الظّلمات والنّور) كيف يمكن أن نساوي بين الظلام الذي يعتبر قاعدة الإنحراف والضلال، وبين النّور المرشد والباعث للحياة، وكيف يمكن أن نجعل الأصنام التي هي الظّلمات المحضة إلى جنب الله الذي هو النّور المطلق، وما المناسبة بين الإيمان والتوحيد اللذان هما نور القلب والروح، وبين الشرك أصل الظلام؟! ثمّ يُدلِل على بطلان عقيدة المشركين عن طريق آخر فيقول: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) والحال ليس كذلك، فإنّ المشركين أنفسهم لا يعتقدون بها، فهم يعلمون أنّ الله خالق كلّ شيء، وعالم الوجود مرتبط به، ولذلك تقول الآية: (قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار). بحوث 1 - الخالقية والرّبوبية يتطلبّان العبادة يمكن أن يستفاد من الآية أعلاه أنّ الخالق هو الربّ المدبّر، لأنّ الخلقة أمرٌ مستمر ودائمي، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم، بل إنّه تعالى يفيض بالوجود عليهم بإستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته المقدّسة، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله، ولهذا السبب يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء إلاّ منه، فهل يوجد أحدٌ غير الله أحقّ بالعبادة؟ 2 - كيف يسأل ويجيب بنفسه؟ بالنظر إلى الآية أعلاه يطرح هذا السؤال: كيف أمر الله نبيّه أن يسأل المشركين: من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون أن ينتظر منهم الجواب يأمر النّبي أن يجيب هو على السؤال... وبدون فاصلة يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام، أي طراز هذا في السؤال والجواب؟ ولكن مع الإلتفات إلى هذه النقطة يتّضح لنا الجواب وهو أنّه في بعض الأحيان يكون الجواب للسؤال واضح جدّاً ولا يحتاج إلى الإنتظار. فمثلا نسأل أحداً: هل الوقت الآن ليل أم نهار؟ وبلا فاصلة نجيب نحن على السؤال فنقول: الوقت بالتأكيد ليل. وهذه كناية لطيفة، حيث أنّ الموضوع واضح جدّاً ولا يحتاج إلى الإنتظار للجواب، بالإضافة إلى أنّ المشركين يعتقدون بخلق الله للعالم ولم يقولوا أبداً أنّ الأصنام خالقة السّماء والأرض، بل كانوا يعتقدون بشفاعتهم وقدرتهم على نفع الإنسان ودفع الضرر عنه، ولهذا السبب كانوا يعبدوهم. وبما أنّ الخالقية غير منفصلة عن الرّبوبية يمكن أن نُخاطب المشركين بهذا الحديث ونقول: أنتم الذين تقولون بأنّ الله خالق، يجب أن تعرفوا أنّ الربوبية لله كذلك، ويختصّ بالعبادة أيضاً لذلك. 3 - العين المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير) و (الظّلمات والنّور) إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ النظر يحتاج إلى شيئين: العين المبصرة، وشعاع الشمس، بحيث لو إنتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا تتحقّق، والآن يجب أن نفكّر: كيف حال الأفراد المحرومين من البصر والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا، فقلوبهم عُميٌ ومحيطهم مليءٌ بالكفر وعبادة الأصنام، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع. وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم إلى الحقّ، وإستلهامهم من نور الوحي وإرشادات الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح. 4 - هل أنّ خلق الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟ إستدلّ جمعٌ من أتباع مدرسة الجبر أنّ جملة (الله خالق كلّ شيء) في الآية أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الأفراد، فالله خالق أعمالنا ونحن غير مختارين. يمكن أن نجيب على هذا القول بطريقين: أوّلا: الجمل الأُخرى للآية تنفي هذا الكلام، لأنّها تلوم المشركين بشكل أكيد فإذا كانت أعمالنا غير إختيارية، فلماذا هذا التوبيخ؟! وإذا كانت إرادة الله أن نكون مشركين فلماذا يلومنا؟! ولماذا يسعى بالأدلّة العقليّة لتغيير مسيرتهم من الضلالة إلى الهداية؟ كلّ هذا دليل على أنّ الناس أحرار في إنتخاب طريقهم. ثانياً: إنّ الخالقية بالذات من مختصّات الله تعالى. ولا يتنافى مع إختيارنا في الأفعال، لأنّ ما نمتلكه من القدرة والعقل والشعور، وحتّى الإختيار والحرية، كلّها من عند الله، وعلى هذا فمن جهة هو الخالق (بالنسبة لكلّ شيء وحتّى أفعالنا) ومن جهة أُخرى نحن نفعل بإختيارنا، فهما في طول واحد وليس في عرض واُفق واحد، فهو الخالق لكلّ وسائل الأفعال، ونحن نستفيد منها في طريق الخير أو الشرّ. فمثلا الذي يؤسّس معملا لتوليد الكهرباء أو لإنتاج أنابيب المياه، يصنعها ويضعها تحت تصرّفنا، فلا يمكن أن نستفيد من هذه الأشياء إلاّ بمساعدته، ولكن بالنتيجة يكون التصميم النهائي لنا، فيمكن أن نستفيد من الكهرباء لإمداد غرفة عمليات جراحية وإنقاذ مريض مشرف على الموت، أو نستخدمها في مجالس اللهو والفساد، ويمكن أن نروي بالماء عطش إنسان ونسقي ورداً جميلا، أو نستخدم الماء في إغراق دور الناس وتخريبها. ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ خالقهما أو مدبرهما ﴿قُلِ اللّهُ﴾ مجيبا عنهم إذ لا جواب غيره ﴿قُلْ﴾ تبكيتا لهم ﴿أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ﴾ أي غيره ﴿أَوْلِيَاء﴾ جمادات تعبدونها ﴿لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا﴾ فضلا عن غيرهم ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ المشرك والموحد ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ الشرك والتوحيد ﴿أَمْ﴾ بل ﴿جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ﴾ صفة شركاء ﴿فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ﴾ خلق الله وخلقهم ﴿عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ لا خالق سواه فلا شريك له في العبادة ﴿وَهُوَ الْوَاحِدُ﴾ المتوحد في الربوبية ﴿الْقَهَّارُ﴾ لكل شيء.