التّفسير
آخر كلام عن الحجّ:
هذه الآية في الحقيقة آخر آية وردت في بيان مناسك الحجّ وإبطال السّنن الجاهليّة في المفاخرات الموهومة بالنسبة للأسلاف فتوصي المسلمين (بعد مراسم العيد) أن يذكروا الله تعالى (واذكروا الله في أيّام معدودات).
ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا الأمر بقرينة الآيات السابقة ناضرة إلى الأيّام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الّتي تسمّى بلسان الروايات (أيّام التشريق) ويتّضح من اسم هذه الأيّام أنّها فترة إشراق الرّوح الإنسانية في ظل تلك المناسك العظيمة.
وفي الآية 28 من سورة الحجّ ورد الأمر بذكر الله في (أيّام معلومات)وهنا وردت عبارة في (أيّام معدودات) فالمعروف هو أنّ الأيّام المعلومات تعني العشرة الأيّام من بداية ذي الحجّة، وأما (أيّام معدودات) فالمراد بها أيّام التشريق المذكورة آنفاً، ولكنّ بعض المفسّرين أورد احتمالات اُخرى غير ذلك في شرح الآية 28 من سورة الحجّ، وسيأتي في شرح الآية 28 من سورة الحجّ(1).
أمّا المراد من (أذكار) فقد ورد في الأحاديث الإسلاميّة أنّها تعني تلاوة التكبيرات التالية بعد خمسة عشر صلاة في هذه الأيّام (ابتداءً من صلاة الظهر من يوم العيد حتّى صلاة الصبح من اليوم الثالث العشر) وهي (الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام).
ثمّ تشير الآية إلى هذا الحكم الشرعي (فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى) وهذا التعبير بالحقيقة إشارة إلى نوع من التخيير في أداء ذكر الله بين يومين أو ثلاثة أيّام.
وجملة (لمن أتّقى) ظاهراً قيد للتعجيل في اليومين، أي لا إثم على من تعجّل واختار اليومين أو الثلاثة، وهذا التعجيل يختص بمثل هؤلاء الأشخاص.
وجاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المراد من التقوى هنا هي تجنّب الصيد، أي أنّ الأشخاص حين الإحرام يجب عليهم تجنّب الصيد أو جميع تروك الإحرام، فيمكنهم البقاء بعد عيد الأضحى يومين في منى ولأداء مناسكهم وذكر الله تعالى، أمّا من لم يتّق فيجب عليه البقاء ثلاثة أيّام هناك لأداء المراسم العباديّة وذكر الله تعالى.
وذهب البعض إلى أنّ جملة (لا إثم عليه) إشارة إلى نفي كلّ إثم وذنب عن زوّار بيت الله الحرام، أي أنّ الحاج بعد أداء مناسكه عن ايمان وإخلاص ووعي يُغفر له ما تقدّم من ذنبه وتزول رواسب المعاصي وأدران الذنوب من قلبه ونفسه، ويخرج من هذه العبادة التربويّة خالصاً طاهراً نقيّاً.
فمع أنّ هذا المعنى صحيح بذاته، إلاّ أنّ ظاهر الآية ينسجم مع المعنى الأوّل أكثر.
وفي نهاية الآية نلاحظ أمراً كليّاً بالتّقوى حيث تقول الآية (واتّقوا الله واعلموا أنّكم إليه تُحشرون).
فعلى أحد هذين التفسيرين المذكورين آنفاً يمكن أن تكون هذه الجملة إشارة إلى أنّ المناسك الروحانيّة في الحجّ تطهّر الإنسان من الذنوب السّابقة كيوم ولدته اُمّه، ولكن عليكم تقوى الله والحذر من الوقوع في الذنب مرّة اُخرى.
﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ كبروه أدبار الصلاة في أيام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة في منى وعشر في غيرها أولها ظهر يوم النحر ﴿فَمَن تَعَجَّلَ﴾ استعجل النفر ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ أي نفر في ثاني أيام التشريق بعد الزوال والرمي إلى الغروب ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بتعجيله ومن تأخر إلى الثالث فنفر فيه أي وقت شاء بعد الرمي قال الصادق (عليه السلام) لو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ولكنه قال ﴿وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ أي ذلك التخيير للمتقي المعاصي لأنه الحاج على الحقيقة أو لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فيجازيكم بأعمالكم.