لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والشيء الذي يكمل هذه النعم الكبيرة واللامتناهية (والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) فهذه السلامة جاءت بعد ما صبرتم على الشدائد وتحمّلتم المسؤوليات الجسام والمصائب، ولكم هنا كامل الطمأنينة والأمان، فلا حرب ولا نزاع، وكلّ شيء يبتسم لكم، والراحة الخالية من المتاعب - هنا - معدّة لكم. بحوث 1 - لماذا ذكر الصبر فقط؟ جملة (سلام عليكم بما صبرتم) تشير إلى مسألة الصبر فقط، في الوقت الذي نرى فيه الآيات السابقة أشارت إلى ثمانية صفات لاُولي الألباب، فما هو السرّ في ذلك؟ للإجابة على هذا الإستفهام نورد ما جاء عن الإمام علي (عليه السلام) في حديث قيّم وذي مغزى كبير، حيث قال: "إنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه". في الحقيقة إنّ كلّ الأفعال الحيّة والصفات الحميدة للأفراد والمجتمعات تستند إلى الصبر والإستقامة، وبدونها لا يمكن أن نحصل على أي شيء من هذه الصفات، لأنّ في مسيرة عمل الخير عقبات وموانع لا يمكن أن ننتصر عليها إلاّ بالإستقامة، فلا الوفاء بالعهد يمكن تنفيذه بدون الصبر والإستقامة ولا الصلات الإلهيّة، ولا الخوف من الله، ولا إقامة الصلاة ولا الإنفاق يمكن بلوغها بغير الصبر والإستقامة. 2 - أبواب الجنّة يستفاد من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أنّ للجنّة عدّة أبواب، ولكن هذا التعدّد للأبواب ليس لكثرة الداخلين إلى الجنّة فيضيق عليهم الباب الواحد، وليس كذلك للتفاوت الطبقي حتّى تدخل كلّ مجموعة من باب، ولا لبعد المسافة أو قربها، ولا لجمال الأبواب وكثرتها، فأبواب الجنّة ليست كأبواب القصور والبساتين في الدنيا، بل تعدّدت هذه الأبواب بسبب الأعمال المختلفة للأفراد. ولذا نقرأ في بعض الأخبار أنّ للأبواب أسماء مختلفة، فهناك باب يسمّى باب المجاهدين، والمجاهدون يدخلون بسلاحهم من ذلك الباب إلى الجنّة، والملائكة تحييهم(7)! وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) "واعلموا أنّ للجنّة ثمانية أبواب، عرض كلّ باب مسيرة أربعين سنة"(8). ومن الظريف أنّ القرآن الكريم يذكر لجهنّم سبعة أبواب (لها سبعة أبواب)(9) وطبقاً للرّوايات فإنّ للجنّة ثمانية أبواب، وهذه إشارة واضحة إلى أنّ طرق الوصول إلى السعادة وجنّة الخلد أكثر من طرق الوصول إلى الشقاء والجحيم. ورحمة الله سبقت غضبه "يامن سبقت رحمته غضبه". ومن ألطف ما في الأمر أنّ الآيات السابقة أشارت إلى ثمان صفات من صفات أُولي الألباب، وكلّ واحدة منها - في الواقع - هي باب من أبواب الجنّة وطريق للوصول إلى السعادة الأبدية. 3 - يلحق بأهل الجنّة أقرباؤهم الآية أعلاه وآيات أُخرى من القرآن الكريم تصرّح أنّ من بين أهل الجنّة آباؤهم وأزواجهم وأبناؤهم الصالحون، وهذا إنّما هو لإتمام النعمة عليهم، وكي لا يشعروا بفراق أحبّائهم، وبما أنّ تلك الدار متكاملة وكلّ شيء يتجدّد فيها، فإنّ أصحابها يدخلون فيها بوجوه جديدة وأكثر محبّة وإلفة. المحبّة التي تضاعف من نعم الجنّة لهم. لا شكّ أنّ الآية أعلاه أشارت إلى الآباء والأزواج والأبناء، ولكن في الواقع كلّ الأقرباء سيجتمعون هناك، لأنّه من غير الممكن وجود الأبناء والآباء بدون إخوانهم وأخواتهم... وحتّى جميع أقربائهم، فالأب الصالح يلحق به أبناؤه وإخوته، وعلى هذا الأساس يكون حضور الأقرباء معهم بشكل طبيعي. 4 - ما هي جنّات عدن؟ "العدن" الإستقرار، وهنا جاءت الكلمة بمعنى الخلود، ومنه المعدن لمستقرّ العناصر الفلزية. ويستفاد من مختلف آيات القرآن أنّ الجنّة دار خلود لأهلها، ولكن - كما قلنا في ذيل الآية (72) من سورة التوبة - جنّات عدن هي محلّ خاص في الجنّة، ولها صفات ومنازل عالية، ولا يدخلها إلاّ ثلاثة: الأنبياء والصدّيقون والشهداء(10). 5 - التطهير من آثار الذنوب ممّا لا شكّ فيه أنّ الحسنات والسيئات لها أثر متقابل في النفس ونحن نرى في حياتنا اليوميّة كثيراً من النماذج بخصوص هذا الموضوع، فمرّةً يتحمّل الإنسان مشاق سنين كثيرة ويسعى للحصول على الثروة، ولكن يفقدها بعمل بسيط ناتج عن اللامبالاة، أو ليس هذا إحباطاً للحسنات المادية. ومرّةً أُخرى على العكس حيث يرتكب الإنسان كثيراً من الأخطاء في حياته ويتحمّل الخسارة الكبيرة، ولكن يسترجعها من خلال عمل شجاع ومحسوب. والآية (ويدرئون بالحسنة السيّئة) إشارة إلى هذا الموضوع، لأنّ الإنسان غير معصوم، وهو معرّض للخطأ والمعصية، فعليه أن يفكّر بإصلاح ما فسد، فأعمال الخير لا تمحو الآثار الإجتماعية للذنوب، بل كذلك تمحو من قلبه الظلمة وتعيده إلى النّور والصفاء الفطري. وهذه الحالة تسمّى في القرآن الكريم بـ"التكفير" (كما تقدّم في ذيل الآية 217 من تفسير سورة البقرة إشارات كثيرة في هذا المجال). ولكن كما قلنا - في تفسير الآية أعلاه - يمكن أن تكون إشارة إلى الفضيلة الأخلاقية لاُولي الألباب، وذلك أنّهم لا يواجهون السيّئة بالسيّئة، بل العكس يقابلون الإنتقام بالإحسان والسيّئة بالحسنة. ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ تهنئة بالسلامة ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ بسبب صبركم ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ ما أنتم فيه.