التّفسير
كيف تجعلون الأصنام شركاء مع الله؟!
نعود مرّةً أُخرى في هذه الآيات إلى البحث حول التوحيد والشرك، وهي تخاطب الناس من خلال دليل واضح حيث يقول تعالى: (أفمن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت)(1) وهذه الجملة تريد أن تقول بوضوح إنّ الله سبحانه وتعالى وكأنّه واقف على رأس كلّ شخص ويعلم بما يفعلونه ويجازي عليه وبيده تدبير الأُمور، ولذلك فإنّ كلمة "قائم" لها معنىً واسع يشمل كلّ هذه الأُمور، مع أنّ مجموعة من المفسّرين يرى لها أبعاداً خاصّة.
ولإتمام البحث السابق، ومقدّمة للبحث الآتي، يقول تعالى: (وجعلوا لله شركاء).
ثمّ يجيبهم بلا فاصلة وبعدّة طرق:
يقول أوّلا: (قل سمّوهم).
والمقصود من تسميتهم هو إِمّا أن يكونوا ليست لهم أيّة قيمة بحيث لا تستطيعون تسميتهم، فكيف تجعلون هذه الموجودات التي لا تستحق حتّى الأسماء والتي لا قيمة لها، في عداد الخالق القادر المتعال؟
أو يكون المقصود: بيّنوا صفاتهم لكي نرى هل يستحقّون العبادة، فنحن نقول في صفات الله جلّ وعلا بأنّه الخالق، والرازق، والمحيي والعالم والقادر، فهل تستطيعون أن تمنحوا هذه الصفات للأصنام؟!
أو بالعكس إذا أردنا تسميتها نقول بأنّها أحجار وأخشاب ساكنة وفاقدة للعقل والشعور، ومحتاجة لمن يعبدها، وخلاصة القول إنّها فاقدة لكلّ شيء! فكيف نجعلها سواء مع الله؟ أفلا تعقلون؟!
أو يكون المقصود: عدّوا لنا أعمالهم، فهل كشفوا الضُرّ لأحد أو منحوا الخير لأحد؟ وهل حلّوا العُقَد والمشاكل؟!
ومع هذا الوضع فأي عقل يجيز لكم أن تجعلوهم قرناء مع الله جلّ وعلا وهو مصدر الخير والبركة والنافع والضارّ والمثيب والمعاقب!.
طبعاً لا مانع من أن تجتمع كلّ هذه المعاني في جملة (سمّوهم)!
ويقول ثانياً: (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض).
وهذا التعبير في الحقيقة أفضل اُسلوب للجواب على حديثهم الواهي، وكمثال على ذلك يقول لك أحد الأشخاص: إنّ فلاناً كان ضيفاً عندكم البارحة، فتقول له: هل تخبرني عن ضيف لا علم لي به؟!
يعني هل من الممكن أن أحداً يكون ضيفي ولا أعلم به وأنت تعلم بذلك؟!
ثالثاً: حتّى أنتم في الواقع لا تؤمنون بذلك في قرارة أنفسكم، بل (أم بظاهر من القول).
ولهذا السبب نرى المشركين عندما تضيق بهم المشاكل الحياتية يلوذون بالله، لأنّهم يعلمون في قلوبهم أنّ الأصنام لا يمكن أن تعمل لهم شيئاً، كما بيّن القرآن الكريم حالهم في الآية (65) من سورة العنكبوت حيث يقول تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون).
رابعاً: إنّ المشركين ليس لهم إدراك صحيح، وبما أنّهم تابعين لأهوائهم وتقليدهم الأعمى، فإنّهم غير قادرين على أن يقضوا بالحقّ وبشكل صحيح، ولهذا السبب ضلّوا الطريق، يقول تعالى: (بل زيّن للذين كفروا مكرهم وصدّوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد).
وقد قلنا مراراً: إنّ هذا الضلال ليس جبراً، ولا هو إعتباطياً وبدون حساب، بل الإضلال الإلهي إنعكاس لما يقوم به الإنسان من الأعمال السيّئة التي تجرّه إلى الضياع، وبما أنّ هذه الخاصيّة قد جعلها الله سبحانه وتعالى لمثل هذه الأعمال فلذلك نسب هذا العمل إليه.
﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ﴾ حفيظ ﴿عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ من خير وشر وهو الله والخبر محذوف أي كمن ليس كذلك من الأصنام أو لم يوحدوه ﴿وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء﴾ استيناف أو عطف على الخبر المقدر أخيرا ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ استحقار لهم أي ليس لهم اسم يستحقون به الإلهية ﴿أَمْ﴾ بل ﴿تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ﴾ أي بشركاء لا يعلمهم ﴿أَم﴾ بل تسمونهم شركاء ﴿بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ﴾ بزعم باطل لا حقيقة له ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ﴾ شركهم ﴿وَصُدُّواْ﴾ أعرضوا أو صرفوا غيرهم وضم الكوفيون الصاد أي صرفوا ﴿عَنِ السَّبِيلِ﴾ طريق الحق ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ﴾ يخذله بسوء اختياره ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.