لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الثّانية تشير إلى سبب هذا اللجاج والتعصب وتقول: ﴿خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾، ولذلك استحقوا أن يكون ﴿لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. أجهزة استقبال الحقائق معطوبة عند هؤلاء، العين التي يرى المتقون فيها آيات الله، والاُذن التي يسمعون بها نداء الحق، والقلب الذي يدركون به الحقائق، كلها قد تعطّلت وتوقفت عن العمل لدى الكافرين. هؤلاء لهم عيون وآذان وعقول، لكنهم يفتقدون قدرة «الرؤية» و«الإدراك» و«السمع». لأن انغماسهم في الإنحراف وعنادهم ولجاجهم كلها عناصر تشكل حجاباً أمام أجهزة المعرفة. الإنسان قابل للهداية طبعاً - إن لم يصل إلى هذه المرحلة - مهما بلغ به الضلال، أمّا حينما يبلغ في درجة يفقد معها حسّ التشخيص «فلات حين نجاة» لأنه افتقد أدوات الوعي والفهم، ومن الطبيعي أن يكون في إنتظاره عذاب عظيم. بحوث 1 - سلب قدرة التشخيص ومسألة الجبر: أول سؤال يطرح في هذا المجال يدور حول مسألة الجبر، التي قد تتبادر إلى الأذهان من قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصَارِهِمْ غِشاوَةٌ...﴾فهذا الختم يفيد بقاء هؤلاء في الكفر إجباراً، دون أن يكون لهم اختيار في الخروج من حالتهم هذه. أليس هذا بجبر؟ وإذا كان جبراً فلماذا العقاب؟ القرآن الكريم يجيب على هذه التساؤلات ويقول: إن هذا الختم وهذا الحجاب هما نتيجة إصرار هؤلاء ولجاجهم وتعنتهم أمام الحق، واستمرارهم في الظلم والطغيان والكفر. يقول تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ ويقول: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّر جَبَار﴾ ويقول أيضاً: ﴿اَفَرَاَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَاَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً﴾. كل هذه الآيات تقرر أنّ السبب في سلب قدرة التشخيص، وتوقف أجهزة الإدراك عن العمل يعود إلى الكفر والتكبر والتجبر واتباع الهوى واللجاج والعناد أمام الحق، هذه الحالة التي تصيب الإنسان، هي في الحقيقة ردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه. من المظاهر الطبيعية في الموجود البشري، أن الإنسان لو تعوّد على انحراف واستأنس به، يتخذ في المرحلة الاُولى ماهية الـ«حالة» ثمّ يتحول إلى «عادة» وبعدها يصبح «ملكة» وجزءً من تكوين الإنسان حتى يبلغ أحياناً درجة لا يستطيع الإنسان أن يتخلّى عنها أبداً. لكن الإنسان إختار طريق الإنحراف هذا عن علم ووعي، ومن هنا كان هو المسؤول عن عواقب أعماله، دون أن يكون في المسألة جبر. تماماً مثل شخص فقأ عينيه وسدَّ أُذنيه عمداً، كي لا يسمع ولا يرى. ولو رأينا أن الآيات تنسب الختم وإسدال الغشاوة إلى الله، فذلك لأن الله هو الذي منح الإنحراف مثل هذه الخاصية. (تأمّل بدقّة). عكس هذه الظاهرة مشهود أيضاً في قوانين الطبيعة، أي إن الفرد السائر على طريق الطهر والتقوى والاستقامة تمتد يد الله عزوجل إليه لتقوّي حاسّة تشخيصه وإدراكه ورؤيته، هذه الحقيقة توضحها الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا اِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾. يفي حياتنا اليومية صور عديدة لأفراد ارتكبوا عم محرّماً، فتألموا في البداية لما فعلوه واعترفوا بذنبهم، لكنهم استأنسوا تدريجياً بفعلهم، وزالت من نفوسهم حساسيتهم السابقة تجاه الذنب، ووصل أمرهم إلى حدٍّ يجدون اللذة والإنشراح في الإنحراف، وقد يضفون عليه صفة الواجب الإنساني أو الواجب الديني!! وفي تأريخنا الإسلامي ظهر مجرمون سفّاكون مولعون بإزهاق الأرواح والتنكيل بالمسلمين كما ذكر في حالات «الحجاج بن يوسف الثقفي» أنه كان ييضع لأعماله الإجرامية تبريرات دينية، ويقول مث: إن الله سلّطنا على هؤلاء النّاس المذنبين لنظلمهم، فهم مستحقون لذلك!! وكذلك قيل: إنّ جنود المغول خطب في أحد مدن ايران الحدودية وقال: ألستم تعتقدون أن عذاب الله يصيب المذنبين؟ فنحن عذاب الله عليكم، فلا ينبغي لكم المقاومة. 2 - لماذا يصرّ الأنبياء على هداية هؤلاء إذا كانوا لا يهتدون؟ وهذا سؤال آخر يُطرح في إطار الآيات المذكورة. والجواب عليه يتضح لوعرفنا أن العقاب الإلهي يرتبط بمواقف الإنسان العملية وسلوكه الفعلي، لا بما يُكنّه في قلبه من زيغ وضلال فقط. من هنا كان لابدّ من توجيه الدعوة حتى إلى هؤلاء الذين لا يهتدون، بعد ذلك يستحق الفرد العقاب تبعاً لموقفه من الدعوة. بعبارة اُخرى لابدّ من «إتمام الحجّة» قبل العقاب. بعبارة موجزة: الثّواب والعقاب يتوقفان حتماً على العمل بعد إنجازه، لا على المحتوى الفكري والروحي للفرد. أضف إلى ما سبق: أن الأنبياء بُعثوا للناس جميعاً، وهؤلاء الذين ﴿طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ قليلون في المجتمع، أما الأكثرية فهم التائهون الذين يتقبّلون الهداية ضمن برنامج تعليمي تربوي صحيح. 3 - الختم على القلوب: في الآيات المذكورة وآيات اُخرى عبّر القرآن عن عملية سلب حسّ التشخيص والإدراك الواقعي للأفراد بالفعل «ختم»، وأحياناً بالفعل «طبع» و«ران». في اللغة «خَتَمَ» الإناء بمعنى سدّه بالطين أو غيره، وأصلها من وضع الختم على الكتب والأبواب كي لا تُفتح، والختم اليوم مستعمل في الإستيثاق من الشّيء والمنع منه كختم سندات الأملاك والرسائل السرّية الهامة. وهناك شواهد من التأريخ تدلّ على أن الملوك وأرباب السلطة كانوا سابقاً يختمون صرر الذهب بخاتمهم الخاص ويبعثون بها إلى المنظورين للاطمئنان على سلامة الصرر وعدم التلاعب في محتوياتها. والشائع في هذا الزمان الختم على الطرود البريدية أيضاً، وقد استعمل القرآن كلمة «الختم» هنا للتعبير عن حال الاشخاص المعاندين الذين تراكمت الذنوب والآثام على قلوبهم حتى منعت كلمة الحق من النفوذ اليها وأمست كالختم لا سبيل إلى فتحه. و«طبع» بمعنى ختم أيضاً. أما «ران» فمن «الرين» وهو صدأ يعلو الشيء الجليّ، واستعمل القرآن هذه الكلمة في حديثه عن قلوب الغارقين في أوحال الفساد والرّذيلة: ﴿كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. المهم أن الإنسان ينبغي أن يكون حذراً لدى صدور الذنب منه، فيسارع إلى غسله بماء التوبة والعمل الصالح، كي لا يتحول إلى صفة ثابتة مختوم عليها في القلب. في حديث عن الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) : «مَا مِنْ عَبْد مُؤْمِن إلاّ وَفي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً خَرَجُ فِي تِلْكَ النُّكْتَةِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا تَابَ ذَهَبَ ذَلِكَ السَّوَادُ، فَإِنْ تَمَادى في الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِكَ السَّوَادُ حَتّى يُغَطِّيَ الْبَيَاضَ، فَإِذَا غُطّيَ الْبَيَاضُ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُهُ إِلَى خَيْر أبَدَاً، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. 4 - المقصود من «القلب» في القرآن: لماذا نسب إدراك الحقائق في القرآن إلى القلب، بينما القلب ليس بمركز للإدراك بل مضخة لدفع الدم إلى البدن؟! الجواب على ذلك: أن القلب في القرآن له معان متعددة منها: 1 - بمعنى العقل والإدراك كقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾. 2 - بمعنى الروح والنفس كقوله سبحانه: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾. 3 - بمعنى مركز العواطف كقوله: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعبَ﴾وقوله: ﴿فَبَِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. لمزيد من التوضيح نقول: في وجود الإنسان مركزان قويّان هما: 1 - مركز الإدراك، ويتكون من الدماغ وجهاز الأعصاب. لذلك نشعر أننا نستقبل المسائل الفكرية بدماغنا حيث يتمّ تحليلها وتفسيرها. (وإن كان الدماغ والأعصاب في الواقع وسيلة وآلة للروح). 2 - مركز العواطف، وهو عبارة عن هذا القلب الصنوبري الواقع في الجانب الأيسر من الصدر. والمسائل العاطفية تؤثر أول ما تؤثر على هذا المركز حيث تنقدح الشرارة الاُولى. حينما نواجه مصيبة فإننا نحسّ بثقلها على هذا القلب الصنوبري، وحينما يغمرنا الفرح فاننا نحسّ بالسرور والإنشراح في هذا المركز (لا حظ بدقّة). صحيح أن المركز الأصلي للإدراك والعواطف هو الروح والنفس الإنسانية، لكن المظاهر وردود الفعل الجسمية لها مختلفة. ردود فعل الفهم والإدراك تظهر يأو في جهاز الدماغ، بينما ردود فعل القضايا العاطفية كالحب والبغض والخوف والسكينة والفرح والهمّ تظهر في القلب بشكل واضح، ويحسّها الإنسان في هذا الموضوع من الجسم. ممّا تقدم نفهم سبب ارتباط المسائل العاطفية في القرآن بالقلب (العضو الصنوبري المخصوص)، وارتباط المسائل العقلية بالقلب (أي العقل أو الدماغ). أضف إلى ما تقدم أنّ عضو القلب له دور مهم في حياة الإنسان وبقائه، وتوقفه لحظة يؤدي إلى الموت، فماذا يمنع أن تنسب النشاطات الفكرية والعاطفية إليه؟! 5 - لماذا جاءت «قُلُوبُهُمْ» و«أَبْصَارُهُمْ» بصيغة الجمع، و«سَمْعُهُمْ» بصيغة المفرد؟ يتكرر في القرآن استعمال القلب والبصر بصيغة الجمع: قلوب وأبصار، بينما يستعمل السمع دائماً بصيغة المفرد، فما السرّ في ذلك؟ قبل الإجابة لابد من الإشارة إلى أن القرآن استعمل السمع والبصر بصيغة المفرد أيضاً كقوله تعالى: ﴿وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾. الشّيخ الطّوسي(رحمه الله)ي في تفسير «التبيان» ذكر نق عن لغوي معروف، أن سبب ذلك قد يعود إلى أحد أمرين: يأوّ: إن كلمة «السمع» قد تستعمل باعتبارها اسم جمع، ولا حاجة عندئذ إلى جمعها. ثانياً: إن كلمة «السمع» لها معنى المصدر، والمصدر يدل على الكثير والقليل، فلا حاجة إلى جمعه. يويمكننا أن نضيف إلى ما سبق تعلي ذوقياً وعلمياً هو أن الإدراكات القلبية والمشاهدات العينية تزيد بكثير على «المسموعات»، ولذا جاءت القلوب والأبصار بصيغة الجمع، والفيزياء الحديثة تقول لنا إن الأمواج الصوتية المسموعة معدودة لا تتجاوز عشرات الآلاف، بينما أمواج النور والألوان المرئية تزيد على الملايين. (تأمل بدقة). ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ﴾ وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته وأوليائه إذا نظروا إليها بأنهم لا يؤمنون وعن الرضا عليه السلام الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وعلى أبصارهم ﴿غِشَاوَةٌ﴾ غطاء أقول: ويمكن أن يكون تهكما حكاية لقولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي ءاذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب أو في الآخرة والتعبير بالماضي لتحققه ويشهد له قوله ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما وكرر الجار ليكون أدل على شدة الختم وأفرد السمع لأمن اللبس أو لمح أصله المصدر أو بتقدير حواس سمعهم أو لمناسبة لوحدة المدرك كالجمع لتكثره ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ أي في الآخرة العذاب المعد للكافرين.