تضيف الآية بعض العلامات الباطنيّة لعداوة مثل هذا الإنسان وهي: (وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).
أجل، فإنّ الله سبحانه وتعالى يفضح هؤلاء ويكشف سريرتهم، لأنّ هؤلاء لو كانوا صادقين في إيمانهم وإظهارهم المحبّة لما أفسدوا في الأرض مطلقاً ولما اعتدوا على مزارع الناس وأغنامهم بدون رحمة أو شفقة، فبالرّغم من أنّ ظاهرهم المحبّة الخالصة إلاّ أنّهم في الباطن أشدّ الناس قساوة ووحشيّة.
واحتمل كثير من المفسّرين أنّ المراد بقوله (إذا تولّى) أي إذا حكم، لأنّ التولّي من الولاية بمعنى الحكومة، فيكون معنى الولاية حينئذ أنّ المنافقين إذا حكموا في الأرض أهلكوا الحرث والنسل وأشاعوا الظلم بين عباد الله، وبسبب ظلمهم وجورهم تهلك الماشية وتتعرّض أموال ونفوس الناس للخطر(3).
(حرث) بمعنى الزّراعة، (نسل) بمعنى الأولاد، وتُطلق أيضاً على أولاد الإنسان وغير الإنسان، فعلى هذا يكون إهلاك الحرث والنسل بمعنى إتلاف كلّ الموجودات الحيّة أعمّ من الأحياء النباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة.
وذُكر لمعنى الحرث والنسل تفاسير اُخرى منها: أنّ المراد بالحرث هو النساء بقرينة الآية الشريفة (نساؤكم حرث لكم)(4) والمراد بالنسل هم الأولاد، أو يكون المراد من الحرث هنا الدين والعقيدة والنسل الناس (وهذا التفسير هو الوارد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) المذكور في مجمع البيان).
وعلى كلّ حال فإنّ التعبير (يهلك الحرث والنسل) كلام مختصر وجامع لكلّ المصاديق حيث يشمل الإفساد والتخريب بالنسبة للأموال والنفوس في المجتمع البشري.
﴿وَإِذَا تَوَلَّى وَاللّهُ﴾ عنك أو صار واليا ﴿سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ كما فعل الأخنس بثقيف إذ بيتهم وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم أو كما تفسد ولاة السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم حتى يحبس الله بشؤمه القطر فيهلك الحرث والنسل ﴿لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ لا يرضاه.