تشير الآية الأُخرى إلى واحدة من نماذج إرسال الأنبياء في مقابل طواغيت عصرهم، ليخرجوهم من الظّلمات إلى النّور: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور)(4).
وكما قرأنا في الآية الأُولى من هذه السورة فإنّ خلاصة دعوة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) هي إخراج الناس من الظّلمات إلى النّور، فهذه دعوة كلّ الأنبياء، بل جميع القادة الروحيين للبشر، فهل الظلم غير الضلال والإنحراف والذلّ والعبوديّة والفساد والظلم؟!
وهل النّور غير الإيمان والتقوى والحرية والإستقلال والعزّة والشرف؟!
لذلك فإنّها تمثّل الخطّ المشترك والجامع بين كلّ دعوات القادة الإلهيين.
ثمّ يشير القرآن الكريم إلى واحدة من أكبر مسؤوليات موسى (عليه السلام) حيث يقول تعالى: (وذكّرهم بأيّام الله).
من المتيقّن أنّ كلّ الأيّام هي أيّام الله، كما أنّ كلّ الأماكن متعلّقة بالله جلّ وعلا، وإذا كانت هناك نقطة خاصّة تسمّى (بيت الله) فذلك بدليل ميزاتها، كذلك أيّام الله تشير إلى أيّام مميّزة لها خصائص منقطعة النظير.
ولهذا السبب إختلف المفسّرون في تفسيرها:
قال البعض: إنّها تشير إلى أيّام النصر للأنبياء السابقين واُممهم والأيّام التي شملتهم النعم الإلهيّة فيها على أثر إستحقاقهم لها.
وقال البعض الآخر: إنّها تشير إلى العذاب الإلهي الذي شمل الأقوام الطاغين والعاصين لأمر الله.
وقال آخرون: إنّها تشير إلى المعنيين السابقين معاً.
لكنّنا - حقّاً - لا نستطيع أن نجعل هذه العبارة البليغة والواضحة محدودة، فأيّام الله هي جميع الأيّام العظيمة في تاريخ الإنسانيّة.
فكلّ يوم سطعت فيه الأوامر الإلهيّة وجعلت بقيّة الأُمور تابعة لها، هي من أيّام الله، وكلّ يوم يُفتح فيه فصل جديد من حياة الناس فيه درس وعبرة، أو ظهور نبي فيه، أو سقوط جبّار وفرعون - أو كلّ طاغ - ومحوه من الوجود.
خلاصة القول: كلّ يوم يُعمل فيه بالحقّ والعدالة ويقع في الظلم وتطغا فيه بدعة، هو من أيّام الله.
وكما سوف نرى أنّ روايات الأئمّة (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية تشير إلى هذه الأيّام الحسّاسة.
وفي آخر الآية يقول تعالى: (إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور).
"صبّار" و "شكور" صيغة مبالغة فأحدهما تشير إلى شدّة الصبر، والأُخرى إلى زيادة الشكر، وتعني أنّ المؤمنين كما لا يستسلمون للحوادث والمشاكل التي تصيبهم في حياتهم، كذلك لا يغترّون ولا يغفلون في أيّام النصر والنعم، وذكر هاتين الصفتين بعد الإشارة إلى أيّام الله دليل على ما قلناه.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ المعجزات التسع ﴿أَنْ﴾ أي بأن أو أي ﴿أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ الكفر ﴿إِلَى النُّورِ﴾ والإيمان ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ﴾ بنعمه وبلائه في الأيام العظام ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ التذكير ﴿لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ على بلائه ﴿شَكُورٍ﴾ لنعمائه.