تشير الآية الأُخرى إلى أحد هذه الأيّام التي كانت ساطعة ومثمرة في تاريخ بني إسرائيل، وذكرها تذكرةً للمسلمين حيث يقول تعالى: (وإذ قال موسى لقومه اُذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون) هؤلاء الفراعنة الذين كانوا (يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيم).
أي يوم أكثر بركة من ذلك اليوم حيث أزال الله عنكم فيه شرّ المتكبّرين والمستعمرين، الذين كانوا يرتكبون أفظع الجرائم بحقّكم، وأي جريمة أعظم من ذبح أبنائكم كالحيوانات (إنتبه إلى أنّ القرآن عبّر بالذبح لا بالقتل) وأهمّ من ذلك فإنّ نوامسيكم كانت خدماً في أيدي الطامعين.
وليس هذا المورد خاصّ ببني إسرائيل، بل في جميع الاُمم والأقوام.
فإنّ يوم الوصول إلى الإستقلال والحرية وقطع أيدي الطواغيت يوم من أيّام الله الذي يجب أن نتذكّره دوماً حتّى لا نعود إلى ما كنّا عليه في الأيّام الماضية.
"يسومونكم" من مادّة (سَوْمَ) على وزن (صوم) بمعنى البحث عن الشيء، وتأتي بمعنى فرض عمل على الآخرين(5)، ولهذا فإنّ معنى جملة يسومونكم سوء العذاب: إنّ أُولئك كانوا يفرضون عليكم أسوأ الأعمال وأكثرها تعذيباً.
وهل أنّ تجميد وإبادة الكتلة الفعّالة في المجتمع وإستخدام نسائهم وإذلالهنّ على يد فئة ظالمة وطاغية يعتبر أمراً هيّناً؟!
ثمّ إنّ التعبير بفعل المضارع "يسومون" إشارة إلى أنّ هذا العمل كان مستمرّاً لمدّة طويلة.
وجملة (يذبّحون أبناءكم...) معطوفة على "سوء العذاب" وفي عين الوقت هي من مصاديق سوء العذاب، وذلك بسبب أهميّة هذين العذابين، وهذا توضيح أنّ فرعون وقومه الظالمين فرضوا على بني إسرائيل أحكاماً جائرة أُخرى، إلاّ أنّ هذين العذابين كانا أشدّ وأصعب.
﴿وَإِذْ﴾ اذكر إذ ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ بالاستعباد وغيره ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ﴾ يستبقونهن للخدمة ﴿وَفِي ذَلِكُم﴾ الإنجاء أو العذاب ﴿بَلاء﴾ نعمة أو ابتلاء ﴿مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾.