التّفسير
المحادثة الصريحة بين الشيطان وأتباعه:
أشارت الآيات السابقة إلى العقاب الشديد للمخالفين والمعاندين والكافرين، وهذه الآيات تكمل ذاك البحث.
يقول تعالى أوّلا: (وبرزوا لله جميعاً)(1).
وفي هذه الأثناء يقول الضعفاء الذين تاهوا في وادي الضلالة للمستكبرين الذين كانوا سبب ضلالهم (فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء) فيجيبونهم بدون توقّف (قالوا لو هدانا الله لهديناكم).
ولكن للأسف فالمسألة منتهية (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص).
ملاحظات
1 - ما هو المراد من (وبرزوا لله جميعاً)؟
أوّل سؤال يطرح بخصوص هذه الآية هو: هل أنّ الناس في هذه الدنيا غير ظاهرين في علم الله لكي تقول الآية: (وبرزوا لله جميعاً)؟
في الجواب على هذا السؤال قال كثير من المفسّرين: إنّ المقصود عدم إحساس الناس بهذا الظهور والبروز أمام الله في هذه الدنيا، فيكون إحساسهم ظاهراً لهم في الآخرة.
وقال بعض أيضاً: المقصود هو البروز والظهور من القبور في ساحة العدل الإلهي للحساب.
هذان التّفسيران جيدان وليس هناك مانع من أن تجمعا في مفهوم الآية.
2 - ما هو المقصود من جملة (لو هدانا الله لهديناكم)؟
يعتقد كثير من المفسّرين أنّ المقصود الهداية عن طريق النجاة من العقاب الإلهي في ذلك العالم، لأنّ هذا الحديث قاله المستكبرون لأتباعهم حينما طلبوا منهم أن يغنوا عنهم قسماً من العذاب، فالسؤال والجواب متناسبان ويوحيان أنّ المقصود هو هدايتهم للنجاة من العذاب.
وقد إستخدم القرآن هذه الكلمة "الهداية" بخصوص الوصول إلى نعم الجنّة، كما يقول أهل الجنّة: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله).(2)
وهناك إحتمال أنّ "قادة الضلالة" حينما يرون أنفسهم أمام طلب أتباعهم، ولكي يتنصّلوا من الذنب ويلقوا باللائمة على الغير، كما هي طريقة كلّ المستكبرين - يقولون بكلّ وقاحة: ماذا نعمل؟ فلو كان الله قد هدانا إلى الطريق الصحيح لهديناكم إليه! ومعناه أنّنا مجبورون على ذلك وليست لنا إرادة حرّة.
وهذا هو منطق الشيطان بعينه، أو ليس هو القائل (فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم)؟ ولكن يجب أن يعلم المستكبرون أنّهم يتحمّلون مسؤولية ذنوب أتباعهم شاؤوا أم أبوا، طبقاً لصريح القرآن والرّوايات، لأنّهم المؤسّسون للإنحراف والضلال دون أن ينقص أي شيء من عذاب أتباعهم.
3 - أوضح بيان في ذمّ التقليد الأعمى
يتّضح لنا من الآية أعلاه ما يلي:
أوّلا: الأشخاص الذين يضعون زمام اُمورهم بيد الآخرين هم ضعفاء الشخصيّة، وقد عبّر عنهم القرآن الكريم بـ(الضعفاء).
ثانياً: إنّ مصيرهم ومصير قادتهم واحد، وهؤلاء البؤساء لا يستطيعون حتّى في أحلك الظروف أن يستفيدوا من حماية قادتهم المضلّين، أو أنّ يخفّفوا عنهم قليلا من العذاب، بل يسخرون منهم ويقولون لهم: لا تجزعوا ولا تفزعوا فلا طريق للخلاص والنجاة من العذاب!
ثالثاً: "برزوا" في الأصل من مادّة "البروز" أي الظهور أو الخروج من الصفّ في مقابل الخصم في ساحة القتال، وتأتي أيضاً بمعنى المقاتلة.
"المحيص" من "المحص" بمعنى التخلّص من العيوب أو الألم.
﴿وَبَرَزُواْ لِلّهِ﴾ عبر بالماضي لتحققه أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لحكمه ﴿جَمِيعًا﴾ مجتمعين ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاء﴾ الأتباع ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ﴾ عن الإيمان وهم قادتهم المتبوعون انا كنا لكم تبعا فهل أنتم ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ﴾ إلى طريق الخلاص من العقاب ﴿لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ مفر ومنجى.