لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة! هنا مشهد آخر في تجسيم الحقّ والباطل، الكفر والإيمان، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى... يُكمل البحوث السابقة في هذا الباب. يقول تعالى أوّلا: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيّبة كشجرة طيّبة) ثمّ يشير إلى خصائص هذه الشجرة الطيّبة في جميع أبعادها ضمن عبارات قصيرة. ولكن قبل أن نستعرض هذه الخصائص يجب أن نعرف ما المقصود من"الكلمة الطيّبة"؟ قال بعض المفسّرين: إنّها كلمة التوحيد (لا إله إلاّ الله). وقال آخرون: إنّها تشير إلى الأوامر الإلهيّة. وقال البعض الآخر: إنّه الإيمان الذي محتواه ومفهومه (لا إله إلاّ الله). وقال آخرون في تفسيرها: إنّها شخص المؤمن. وأخيراً قال بعضهم: إنّها الطريقة والبرامج العمليّة. ولكن بالنظر إلى سعة مفهوم ومحتوى الكلمة الطيّبة نستطيع أن نقول: إنّها تشمل جميع هذه الأقوال، لأنّ "الكلمة" في معناها الواسع تشمل جميع الموجودات، ولهذا السبب يقال للمخلوقات "كلمة الله". و "الطيّب" كلّ طاهر ونظيف، فالنتيجة من هذا المثال أنّه يشمل كلّ سنّة ودستور وبرنامج وطريقة، وكلّ عمل، وكلّ إنسان... والخلاصة: كلّ موجود طاهر ونظيف وذي بركة، وجميعها كشجرة طيّبة فيها الخصائص التالية: 1 - كائن يمتلك الحركة والنمو، وليس جامداً ولا خاملا، بل ثابت وفاعل ومبدع للآخرين ولنفسه (التعبير بـ"الشجرة" بيان لهذه الحقيقة). 2 - هذه الشجرة طيّبة، ولكن من أيّة جهة؟ بما أنّه لم يذكر لها قسم خاص بها، فإنّها طيّبة من كلّ جهة... منظرها، ثمارها، أزهارها، ظلالها، ونسيمها جميعها طيب وطاهر. 3 - لهذه الشجرة نظام دقيق، لها جذور وأغصان، وكلّ واحد له وظيفته الخاصّة، فوجود الأصل والفرع فيها دليل على سيادة النظام الدقيق عليها. 4 - أصلها ثابت محكم بشكل لا يمكن أن يقلعها الطوفان ولا العواصف. وبإستطاعتها أن تحفظ أغصانها العالية في الفضاء وتحت نور الشمس، لأنّ الغصن كلّما كان عالياً يحتاج إلى جذور قوّية (أصلها ثابت). 5 - إنّ أغصان هذه الشجرة الطيّبة ليست في محيط ضيّق ولا رديء، بل مقرّها في عنان السّماء، وهذه الأغصان والفروع تشقّ الهواء وتصعد فيه عالياً (وفرعها في السّماء). ومن الواضح أنّ الأغصان كلّما كانت عالية وسامقة تكون بعيدة عن التلوّث والغبار وتصبح ثمارها نظيفة، وتستفيد أكثر من نور الشمس والهواء الطلق، فتكون ثمارها طيّبة جدّاً(1). 6 - هذه الشجرة كثيرة الثمر لا كالأشجار الذابلة العديمة الثمر، ولذلك فهي كثيرة العطاء (تؤتي اُكلها). 7 - وثمارها ليست فصلية، بل في كلّ فصل وزمان، فإذا أردنا أن نمدّ يدنا إلى أغصانها في أي وقت لم نرجع خائبين (كلّ حين). 8 - إنّ إنتاجها من الثمار يكون وفق قوانين الخلقة والسنن الإلهيّة وليس بدون حساب (بإذن ربّها). والآن يجب أن نفتّش، أين نجد هذه الخصائص والبركات؟ نجدها بالتأكيد في كلمة التوحيد ومحتواها، وفي الإنسان الموحّد ذي المعرفة، وفي البرامج الحيّة النظيفة، وجميعها نامية ومتحرّكة ولها اُصول ثابتة ومحكمة وفروع كثيرة وعالية بعيدة عن التلوّث بالأدران الجسديّة والدنيوية، وكلّها مثمرة وفيّاضة. وما من أحد يأتي إليها ويمدّ يده إلى فروعها إلاّ ويستفيد من ثمارها اللذيذة العطرة، وتتحقّق فيه الخصال المذكورة، فعواصف الأحداث الصعبة والمشاكل الكبيرة لا تزحزحه من مكانه، ولا يتحدد، واُفق تفكيره في هذه الدنيا الصغيرة، بل يشقّ حجب الزمان والمكان ويسير نحو المطلق اللامتناهي. سلوكهم وبرامجهم ليست تابعة للهوى والهوس، بل طبقاً للأوامر الإلهيّة وبإذن ربّهم، وهذا هو مصدر الحركة والنمو في حركتهم. الرجال العظام من المؤمنين هم كلمة الله الطيّبة، وحياتهم أصل البركة، دعوتهم توجب الحركة، آثارهم وكلماتهم وأقوالهم وكتبهم وتلاميذهم وتاريخهم... وحتّى قبورهم جميعها ملهمة وحيّة ومُربّية. نعم (ويضرب الله الأمثال للناس لعلّهم يتذكرّون). وهناك سؤال مطروح بين المفسّرين وهو: هل لوجود هذه الشجرة وصفاتها واقع خارجي؟ يعتقد البعض بوجودها وهي النخلة، ولذلك اضطروا إلى أن يفسّروا (كلّ حين) بستّة أشهر. ولكن لا حاجة إلى الإصرار في وجود مثل هذه الشجرة، بل هناك تشبيهات كثيرة وليس لها وجود خارجي أصلا. وعلى أيّة حال، فالهدف من التشبيه هو تجسيم الحقائق والمسائل العقليّة وصبّها في قالب الحواس، وهذه الأمثال ليس فيها أي إبهام، بل هي مقبولة ومؤثّرة وجذّابة. وفي عين الحال هناك أشجاراً في هذه الدنيا ثمارها لا تنقطع على طول السنة، وقد رأينا بعض الأشجار في المناطق الحارّة وكانت مثمرة وفي نفس الوقت لها أزهار جديدة للثمار المقبلة! ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً﴾ كيف بينه جعل ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ كلمة التوحيد أو ما دعا إلى الحق ﴿كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾ النخلة أو شجرة في الجنة أو شجرة بهذا الوصف وإن لم نشاهدها، وعن الباقر (عليه السلام) إنها النبي وفرعها علي وغصنها فاطمة وثمرها أولادها وورقها شيعتنا ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ في الأرض ﴿وفرعها﴾ رأسها ﴿فِي السَّمَاء﴾.