لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبما أنّ الآيات السابقة جسّدت حال الإيمان والكفر، الطيّب والخبيث من خلال مثالين صريحين، فإنّ الآية الأخيرة تبحث نتيجة عملهم ومصيرهم النهائي، يقول تعالى: (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)لأنّ إيمانهم لم يكن إيماناً سطحياً وشخصيتهم لم تكن كاذبة ومتلوّنة، بل كانت شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء، وبما أنّ ليس هناك من لا يحتاج إلى اللطف الإلهي، وبعبارة أُخرى: كلّ المواهب تعود لذاته المقدّسة، فالمؤمنون المخلصون الثابتون بالإستناد إلى اللطف الإلهي يستقيمون كالجبال في مقابل أيّة حادثة. والله تعالى يحفظهم من الزلاّت التي تعتريهم في حياتهم. ومن الشياطين الذين يوسوسون لهم زُخرف الحياة ليزلّوهم عن الطريق. وكذلك فالله تعالى يثبّتهم أمام القوى الجهنّمية للظالمين القُساة، الذين يسعون لإخضاعهم بأنواع التهديد والوعيد. ومن الطريف أنّ هذا الحفظ والتثبّت الإلهيين يستوعبان كلّ حياتهم في هذه الدنيا وفي الآخرة، فهنا يثبّتون بالإيمان ويبرؤون من الذنوب، وهناك يُخلدون في النعيم المقيم. ثمّ يشير إلى النقطة المقابلة لهم (ويضلّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء). قلنا مراراً: إنّ الهداية والضلال التي تنسب إلى الله عزّوجلّ لا تتحقّقان إلاّ بأن يرفع الإنسان القدم الأوّل لها، فالله عزّوجلّ عندما يسلب المواهب والنعم من العبد أو يمنحها له يكون ذلك بسبب إستحقاقه أو عدم إستحقاقه. ووصف "الظالمين" بعد جملة "يضلّ الله" أفضل قرينة لهذا الموضوع، يعني ما دام الإنسان غير ملوّث بالظلم لا تسلب الهداية منه، أمّا إذا تلوّث بالظلم وعمّت وجوده الذنوب، فسوف يخرج من قلبه نور الهداية الإلهيّة، وهذه عين الإرادة الحرّة. وبالطبع إذا غيّر مسيره بسرعة فطريق النجاة مفتوح له، ولكن إذا إستحكم الذنب فإنّ طريق العودة يكون صعباً جدّاً. بحوث 1 - هل القصد من الآخرة في الآية هو القبر؟ نقرأ في روايات متعدّدة أنّ الله يثبت الإنسان على خطّ الإيمان عندما يواجه أسئلة الملائكة في القبر، وهذا معنى الآية (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة). ولقد وردت كلمة "القبر" بصراحة في بعض هذه الرّوايات (2). ولكن هناك رواية شريفة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنّ الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عمّا هو عليه، فيأبى الله عزّوجلّ له ذلك، وهو قول الله عزّوجلّ: (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)(3). وأكثر المفسّرين يميلون إلى هذا التّفسير، طبقاً لما نقله المفسّر الكبير العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ الآخرة ليست محلا للأعمال ولا للإنحراف، بل هي محلّ الحصول على النتائج فحسب ولكن عند وقوع الموت وحتّى في البرزخ (الذي هو عالم بين الدنيا والآخرة) قد تحصل بعض الهفوات، فهنا يكون اللطف الإلهي عاملاً في حفظ وثبات الإنسان. 2 - دور الثبات والإستقامة من بين جميع الصفات التي ذكرتها الآيات أعلاه للشجرة الطيّبة والخبيثة، وردت مسألة الثبات وعدم الثبات بشكل أكثر، وحتّى في بيان ثمار هذه الشجرة يقول تعالى: (يثبّت الله الذين آمنوا) وبهذا الترتيب تتّضح لنا أهميّة الثبات ودوره في حياة الإنسان. فكثير من الأشخاص من ذوي القابليات المتوسطة، إلاّ أنّهم ينالون إنتصارات كبيرة في حياتهم، ثمّ إذا حقّقنا في الأمر لم نجد دليلا إلاّ الثبات والإستقامة لديهم. ومن جهة إجتماعية لا يتحقّق أي تقدّم في البرامج إلاّ في ظلّ الثبات، ولهذا السبب نجد المخرّبين يسعون في تدمير الإستقامة، ولا نعرف المؤمنين الصادقين إلاّ من خلال إستقامتهم وثباتهم في مقابل الحوادث الصعبة. 3 - الشجرة الطيّبة والخبيثة في الرّوايات الإسلامية كما قلنا أعلاه فإنّ كلمة "الطيّبة" و "الخبيثة" التي شبّهت الشجرتان بها، لها مفهوم واسع بحيث تشمل كلّ شخص وبرنامج ومبدأ وفكر وعلم وقول وعمل، ولكن وردت في بعض الرّوايات في موارد خاصّة ولكن لا تنحصر بها. ومن جملتها ما ورد في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية (كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء) قال: "رسول الله أصلها وأمير المؤمنين فرعها، والأئمّة من ذرّيتهما أغصانها، وعلم الأئمّة ثمرها، وشيعتهم المؤمنون ورقها، هل فيها فضل؟" (أي هل يبقى شيء) قال قلت: لا والله، قال: "والله إنّ المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها، وإنّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها"(4). وعنه أيضاً (عليه السلام) حينما سأله سائل عن معنى الآية (تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها) قال: "ذاك علم الأئمّة يأتيكم كلّ عام من كلّ المناطق"(5). وفي رواية أُخرى: "الشجرة الطيّبة رسول الله وعلي وفاطمة وبنوها، والشجرة الخبيثة بنو اُميّة"(6). وفي بعضها الآخر فسّرت الشجرة الطيّبة بالنخل والخبيثة بالحنظلة. وعلى أيّة حال ليس هناك من تضادّ بين هذه التفاسير، بل بينها وبين ما قلناه أعلاه ترابط وتنسبق، لأنّها مصاديقها. ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ أي بكلمة التوحيد المتمكنة في قلوبهم بالحجة ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ أي في القبر أو في الموقف ﴿وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ﴾ لا يثبتهم في الدارين بظلمهم وكفرهم ﴿وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء﴾ من تثبيت المؤمن وتخلية الكافر وكفره.