لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولكي لا يعتقد أحد أنّ هذه المجازات تتعلّق بمجموعة معيّنة، يقول تعالى لنبيّه الكريم: (وأنذر الناس يوم تأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب) حتّى نستفيد من هذه الفرصة ثمّ (نجب دعوتك ونتّبع الرسل)ولكن هيهات إنّ ذلك محال (أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) فكلّ هذه الدروس لم تؤثّر بكم وأدمتم ظلمكم وجوركم، والآن وبعد أن وقعتم في يد العدالة تطلبون تمديد المدّة، أي مدّة؟ لقد إنتهى كلّ شيء! بحوث 1 - لماذا وجّه الخطاب هنا إلى الرّسول الأكرم؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتصوّر أبداً أنّ الله غافلا عن الظالمين، ومع ذلك نرى الآيات أعلاه توجّه خطابها إلى النّبي وتقول له: (ولا تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظالمون). إنّه - في الواقع - إيصال الخطاب بشكل غير مباشر إلى الآخرين، والذي هو أحد فنون الفصاحة، كما نقول: إيّاك أعني واسمعي ياجارة. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ هذا التعبير كناية عن التهديد، كما نقول في بعض الأحيان للشخص المقصّر "لا تعتقد أنّنا غافلون عن أفعالك" يعني سوف نحاسبك على ما فعلت! وعلى أي حال فأساس الحياة يقوم على إعطاء المهلة الكافية للأفراد حتّى ينفقوا ممّا عندهم، ولكي لا يبقى عذر لأحد تعطى المهلة الكافية قبل ساعة الإمتحان، وإعطاء المهلة الكافية للرجوع والإصلاح للجميع. 2 - ما هو المقصود من (يوم يأتيهم العذاب)؟ لقد أمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينذر الناس بهذا اليوم الذي ينزل عليهم فيه العذاب الإلهي، ولكن أي يوم هذا؟ ذكر المفسّرون له ثلاث إحتمالات: الأوّل: يوم القيامة. الثّاني: يوم وقوع الموت، حيث تبدأ مقدّمة العذاب الإلهي للظالمين. الثّالث: المقصود هو نزول جزء من العذاب والبلاء الدنيوي، كعذاب قوم لوط وعاد وثمود وقوم نوح وفرعون، والذي تمّ من خلال الطوفان أو الزلازل والعواطف والريح وغيرها. ومع أنّ كثير من المفسّرين رجّحوا التّفسير الأوّل، إلاّ أنّ الآيات التي تليها تشير إلى قوّة الإحتمال الثّالث، والتي توضّح أنّ المقصود هو العقاب الدنيوي لأنّنا نقرأ بعد هذه الآية (ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك). فالتعبير "أخّرنا" قرينة واضحة في الطلب لإستمرار الحياة في الدنيا، لأنّه لو كان في الآخرة لقالوا: ربّنا ارجعنا إلى الدنيا، كما نقرأ في الآية (27) من سورة الأنعام (ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين) حيث يردّ عليهم القرآن الكريم ويقول: (ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون). وقد يسأل سائل: إذا كانت هذه الآية تشير إلى عذاب الدنيا، والآية ما قبلها (ولا تحسبن الله غافلا) تشير إلى عذاب الآخرة، فكيف يمكن أن تتوافق هاتان الآيتان، بالنظر إلى أنّ كلمة "إنّما" دالّة على عقابهم في الآخرة فقط وليس في الدنيا. ويتّضح الجواب بملاحظة أنّ العقاب الاُخروي الذي يشمل جميع الظالمين، ليس له أي تبديل وتغيير، بينما الجزاء الدنيوي - بالإضافة إلى أنّه غير شامل - فهو قابل للتبديل. ولابدّ من ذكر هذه النقطة أيضاً وهو أنّ العقاب الدنيوي - كعقاب قوم نوح وفرعون وأمثالهم - إذا حلّ بهم سوف تُغلق أبواب التوبة كليّاً وليس لهم طريق للرجوع والتوبة، لأنّ أغلب المذنبين عندما يرون العذاب يندمون على ما فعلوا، وهذا الندم إضطراري وليس له أي قيمة، ولذلك يجب عليهم أن يتوبوا قبل نزول العذاب(1). 3 - لماذا لا تُقبل المهلة؟ نقرأ في آيات مختلفة من القرآن الكريم أنّ الظالمين والمذنبين في مواقف متعدّدة، يطلبون الرجوع إلى الحياة لتصحيح مسيرتهم، فبعض هذه المواقف مرتبط بيوم القيامة كما أشرنا في الآية (28) من سورة الأنعام، وبعض آخر مرتبط بساعة الموت كما تشير إليه الآية (99) من سورة المؤمنون (حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت) والبعض الآخر يطلب الرجوع عند نزول العذاب المهلك - كما في هذه الآية - حيث يقول الظالمون عند رؤيتهم للعذاب (ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك) ومن الطريف أنّ الجواب في جميع هذه المواقف يكون بالنفي. ودليله واضح، لأنّ أي واحد من هذه الاُمنيات لا يمثّل حقيقة واقعيّة ولا جديّة، ورجاؤهم هذا هو حالة إضطرارية تظهر حتّى عند أسوأ الأشخاص، وليست حالة دالّة على التغيّر الذاتي والتصميم الواقعي الصادق لتصحيح مسيرة حياتهم، كالمشركين عندما يأخذهم الطوفان يسألون الله النجاة، وعندما ينجيهم إلى الساحل ينكثون عهودهم كأن لم يكن يحدث شيء إطلاقاً. ولذلك يقول القرآن الكريم في بعض آياته - كما أشرنا إليه أعلاه - (ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه). ﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾ هو يوم القيامة أو يوم الموت ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد من الزمان قريب ﴿نُّجِبْ دَعْوَتَكَ﴾ بالتوحيد ﴿وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ﴾ في الدنيا ﴿مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾ عنها إلى الآخرة.