التّفسير
لا فائدة من مكرهم!
أشارت الآيات السابقة إلى نوع من عقاب الظالمين، وفي هذه الآيات أيضاً أشارت - أوّلا - إلى جزء من أفعالهم، ومن ثمّ إلى قسم آخر من جزائهم الشديد وعقابهم الأليم.
تقول الآية الاُولى: (وقد مكروا مكرهم).
لقد عملوا كلّ ما بوسعهم من أجل طمس حقائق الإسلام، بدءً من الترغيب والتهديد وحتّى الأذى ومحاولات القتل والإغتيال وبثّ الشائعات، ومع كلّ ذلك فانّ الله مطّلع على جميع مؤامراتهم وقد أحصى أعمالهم: (وعند الله مكرهم)وعلى أي حال فلا تقلق فانّهم لا يستطيعون بمكرهم هذا أن يصيبوك بسوء حتّى (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال).
"المكر" - وكما أشرنا إليه سابقاً - بمعنى الإحتيال، فمرّةً يلازمه الفساد ومرّةً أُخرى لا يلازمه، وفي تفسير جملة (وعند الله مكرهم) رأيان:
يقول البعض ومن جملتهم العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان: المراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته.
ويقول البعض الآخر، كالعلاّمة الطبرسي في مجمع البيان: إنّ المراد هو ثبوت جزاء مكرهم عند الله تعالى (وعلى هذا التّفسير يكون تقدير الآية: عند الله جزاء مكرهم) فكلمة الجزاء محذوفة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى الصحّة، لأنّه يوافق ظاهر الآية ولا يحتاج إلى الحذف والتقدير، وتؤيّده جملة (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) أي إنّ مكرهم مهما كان قويّاً.
ومهما كانت لديهم قدرة على المؤامرة، فانّ الله أعلم بهم وأقدر عليهم وسيدمّر كلّ ما مكروا.
ثمّ يتوعّد الله الظالمين والمسيئين مرّة أُخرى من خلال مخاطبة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله) لأنّ الإخلاف يصدر من الذي ليست له قدرة وإستطاعة، ولكن: (إنّ الله عزيز ذو إنتقام).
﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ﴾ جهدوا في إبطال أمر الرسل أو أمر محمد والمراد قريش ﴿وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ﴾ أي عمله أو جزاؤه ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ إن نافية واللام لتأكيد النفي أي مكرهم أضعف من أن يزيل ما هو كالجبال الثابتة وهو دين الرسل أو دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو مخففة أي وإن الشأن كان مكرهم العظيم معدا لذلك ولذا قرىء بفتح اللام ورفع نزول.