لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير توقّع غير معقول: قد يبدو للوهلة الاُولى أنّ في هذه الآية الكريمة نوعاً من الإبهام والتعقيد، لكنّ ذلك يزول عند إمعان النظر بتعبيراتها. الآية تخاطب الرسول (ص) وتقول معقبّة على الآيات السابقة: أليست كلّ هذه الدلائل والآيات والأحكام الواضحة كافية لصدّ الإنسان عن الهلكة وانقاذه من براثين عدوّه المبين (الشيطان)، هل ينتظرون أن يأتي الله إليهم مع الملائكة في وسط الغمامة ويطرح عليهم من الآيات والدلائل أوضح ممّا سبق، وإنّ ذلك محال، وعلى فرض كونه غير محال فإنّه لا ضرورة لذلك: (هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقُضي الأمر)(1). أمّا ما هو المراد من "قُضي الأمر" الوارد في الآية؟ ذهب المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان أنّ معناها انتهاء حساب البشر في يوم القيامة ودخول أهل الجنّة إلى الجنّة وأهل النّار إلى النّار، وعلى هذا الأساس فالآية ناظرة إلى الآخرة في حين أنّ ظاهر الآية يتعلّق بهذه الحياة الدنيا، ولهذا فليس من البعيد أن تكون هذه الآية إشارة إلى نزول العذاب الإلهي على الكفّار المعاندين، وقد ورد في هذا المعنى في كلام الطبرسي وغيره من المفسّرين بعنوان أحد الإحتمالات. ويمكن أن يكون المعنى إشارة إلى انتهاء مأموريّة التبليغ وبيان الحقائق الواردة في الآية السابقة بعنوان (بيّنات)، وبهذا يكون انتظار وتوقع هؤلاء بلا معنى، فعلى فرض المحال إمكانيّة حضور الله تعالى والملائكة أمامهم فلا حاجة إلى ذلك كما ذكرنا، لأنّ مستلزمات الهداية قد وُضعت أمامهم بالقدر الكافي، وبناءً على هذا التفسير لايوجد في الآية أي تقدير، والألفاظ بعينها قد فُسّرت، وبهذا يكون الإستفهام الوارد في الآية استفهاماً إنكاريّاً. وهناك من المفسّرين من لم يرَ الإستفهام في الآية إستنكاريّاً، واعتبره نوعاً من التهديد للمذنبين ولاُولئك السائرين على خُطى الشيطان، سواء كان التهديد بعذاب الآخرة أو الدنيا، ولهذا فهم يقدّرون قبل كلمة "الله" كلمة (أمر) فيكون المعنى حينئذ: (أيريد هؤلاء بأعمالهم هذه أن يُؤتيهم أمر الله وملائكته لمعاقبتهم وتعذيبهم ولينالوا عذاب الدنيا أو الآخرة وينتهي أمرهم وأعمالهم). ولكنّ التفسير المذكور أعلاه أنسبُ المعاني لهذه الآية ظاهراً ولا حاجة إلى التقدير. والخلاصة أنّ لهذه الآية ثلاثة تفاسير: 1- أنّ المراد هو أنّ الله تعالى قد أتمَّ حجّته بمقدار كاف، فلا ينبغي للمعاندين توقّع أن يأتيهم الله والملائكة أمامهم ويبيّنوا لهم الحقائق، لأنّ هذا أمر محال وعلى فرض أنّه غير محال لا حاجة لذلك. 2- المراد هو أنّ هؤلاء مع عنادهم وعدم إيمانهم هل ينتظرون الأمر الإلهي بإنزال العذاب وملائكة العذاب عليهم فيهلكوا عن آخرهم. 3- المراد أنّ هؤلاء بهذه الأعمال هل ينتظرون قيام السّاعة ليصدر الأمر إلى الملائكة بتعذيبهم وينالوا جزاءهم العادل؟(2) التعبير بـ (ظلل من الغمام) بناءً على التفسير الثاني والثالث الّذي ذهب إليه الكثير من المفسّرين إشارة إلى أنّ العذاب الإلهي يأتي فجأةً كالسّحاب الّذي يُظلّلهم وخاصّة أنّ الإنسان إذا رأى السّحاب يتوقّع أمطار الرّحمة، فعندما يأتي العذاب بصورة الصاعقة وأمثال ذلك وينزل عليهم فسيكون أقسى وأشدّ إيلاماً (مع الإلتفات إلى أنّ عذاب بعض الأقوام السّالفة نزل عليهم بصورة صاعقة من الغمام)(3). أمّا على أساس التفسير الأوّل فقد يكون إشارة إلى عقيدة الكفّار الخرافيّة حيث يظنّون أنّ الله تعالى ينزل أحياناً من السّماء والسّحاب تظلّله(4). وفي نهاية الآية تقول (وإلى الله ترجع الاُمور) الاُمور المتعلّقة بإرسال الأنبياء ونزول الكتب السماويّة وتبيين حقائق يوم القيامة والحساب والجزاء والثواب والعقاب وكلّها تعود إليه. بحث استحالة رؤية الله: لاشكّ أنّ الرّؤية الحسيّة لا تكون إلاّ للأجسام الّتي لها لون ومكان وتأخذ حيّز من الفراغ، فعلى هذا لا معنى لرؤية الله تعالى الّذي هو فوق الزمان والمكان. إنّ الذات المقدّسة يستحيل رؤيتها بهذه العين لا في الدّنيا ولا في الآخرة، والأدلّة العقليّة على هذه المسألة واضحة إلى درجة أنّه لا حاجة لشرحها وبيانها، ولكن مع ذلك فإنّ طائفة من علماء أهل السّنة ومع الأسف يستندون على بعض الأحاديث الضعيفة وعدد من الآيات المتشابهة على إمكان رؤية الله تعالى يوم القيامة بهذه العين الماديّة، وإنّه سيكون له قالب جسماني ولون ومكان، وبعضهم يرى أنّ الآية مورد البحث ناظرة إلى هذا المعنى، فلعلّهم لم يلتفتوا إلى مدى المفاسد والمشكلات المترتّبة على هذا القول. وطبعاً لاشكّ في إمكانيّة رؤية الله تعالى بعين القلب، سواء في هذه الدنيا أو في عالم آخر، ومن المسلّم أنّ ذاته المقدّسة في يوم القيامة لها ظهور أقوى وأشد من ظهورها في هذا العالم ممّا يستدعي أن تكون المشاهدة أقوى، وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب من سأله: هل يمكن مشاهدة الله يوم القيامة؟ فقال: ".... إنّ الأبصار لا تدرك إلاّ ما له لون وكيفيّة والله تعالى خالق الألوان والكيفيّة"(5). وقد أوردنا أبحاثاً في عدم إمكانيّة رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة في ذيل الآيات المربوطة، منها في ذيل آية (103) من سورة الأنعام (لا تُدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار) وذكرنا بحثاً آخر أكثر تفصيلاً في المجلّد الرابع من (نفحات القرآن) فراجع. ﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ معناه النفي ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ﴾ بأسه أو أمره أو يأتيهم بنقمته أو عذابه ﴿فِي ظُلَلٍ﴾ جمع ظلة وهي ما أظلك ﴿مِّنَ الْغَمَامِ﴾ السحاب الأبيض فإنه مظنة الرحمة فإتيان العذاب منه من حيث لا يحتسب ﴿وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ فرغ من تدميرهم والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه ﴿وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ﴾ ببناء الفاعل والمفعول.