لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويقول: (ربّما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين). فالمراد بكلمة "يود" التمني حسب ما ورد في تفسير الميزان، وذكر كلمة "لو" للدلالة على تمنيهم الإسلام في وقت لا يمكنهم فيه العودة إلى ما كانوا ينكرون، وهذه إشارة إلى أن تمنيهم سيكون في العالم الآخر وبعد معاينة نتائج الاعمال. ويؤيد هذا المعنى وما ورد عن الإِمام الصّادق (عليه السلام) قوله: "ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق إنّه لا يدخل الجنّة إلا مسلم، فثمّ يود سائر الخلائق أنّهم كانوا مسلمين".(1) وروي أيضاً عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "إذا اجتمع أهل النّار في النّار ومعهم مَنْ يشاء اللّه من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين، قالو: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النّار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب (كبائر) فأخذنا بها (وهذا الاعتراف بالذنب والتقصير ولوم الأعداء يكون سبباً لأن) يسمع اللّه عزَّ وجلّ ما قالوا فأمر مَنْ كان في النّار من أهل الإِسلام فأُخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار: يا ليتنا كنّا مسلمين".(2) وربّما كان ظاهر الآية يوحي إِلى أُولئك الكفرة الذين ما زالت جذوة الفطرة تسري في أعماق وجدانهم، وحينما لمسوا من نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)تلك الآيات الرّبانية التي تناغي أوتار القلوب، لانت قلوبهم وتمنوا أَن لو يكونوا مسلمين، إِلاّ أنّ تعصبهم الأعمى وعنادهم القاتم، أو قل منافعهم المادية حجبتهم عن قبول دعوة الحق، وبذلك بقوا بين قضبان كفرهم واستحوذت عليهم أحابيل الكفر والضلال. ذكر لنا أحد الأصدقاء من المؤمنين المجاهدين وكان قد سافر إِلى أوروبا قائلا: ذات مرّة التقيت بأحد المسيحيين - وكان رجلا منصفاً - وبعد أن بيّنت له بعض خصال ديننا، استهوته ومال إليها قائلا: أهنئكم من أعماقي على عظمة معتقدكم، ولكن - ماذا نصنع مع الضروف الاجتماعية التي أجبرتنا على أن لا نحيد عنها!! ومن تاريخ الإِسلام نطالع ما حصل لقيصر الروم عندما وصله رسول النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويذكر بأنّ القيصر قد أظهر الإِيمان سرّاً للرسول حتى أنّه رغب في دعوة قومه لدين التوحيد إِلاّ أنّه خاف قومه وفكر بامتحانهم ف- (أمر منادياً ينادي: ألا إِنّ هرقل قد ترك النصرانية واتبع دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأقبل جنده بأسلحتهم حتى طافوا بقصره، فأمر مناديه فنادى: ألا إِنّ قيصر إِنّما أراد أن يجرّبكم كيف صبركم على دينكم; فارجعوا فقد رضي عنكم. ثمّ قال للرسول: إِنّي أخاف على ملكي. وإِنّي لأعلم أنّ صاحبك نبيّ مرسل، والذي كنّا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكنّي أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته).(3) وعلى أية حال، ينبغي التنويه بعدم وجود تعارض بين أيٍّ من التّفسيرين، فيمكن حمل الآية على ندم بعض من الكافرين في كلا العالمين (الدنيا والآخرة)، واعتبار عدم استطاعتهم العودة إِلى الإِسلام في حياتهم الدنيا وفي الآخرة لجهات مختلفة - فتأمل. ثمّ يأتي نداء السماء بلهجة لاذعة، يا محمّد (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) فهم كالأنعام التي لا تعرف سوى الحقل والعلف، ولا تفهم سوى اللّذات المادية، وكل ما تريده لا يتعدى إِطار ما تعرف وتفهم. إِنّهم لا يدركون فقه الحقائق، لأنّ حجب الغرور والغفلة والأماني الزائفة ختمت على قلوبهم. و لكن، عندما يصفع الأجل وجوههم وترتفع تلك الحجب عن أعينهم، وحينما يجدون أنفسهم أمام الموت أو في عرصة يوم القيامة، هنالك سيدركون عظمة حجم غفلتهم ومدى خسرانهم، وكيف أنّهم قد ضيعوا أغلى ما كانوا يملكون!! ﴿رُّبَمَا﴾ بالتخفيف والتشديد وما كافة أو نكرة موصوفة ﴿يَوَدُّ﴾ يتمنى ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يوم القيامة إذا صاروا إلى النار وصار المسلمون إلى الجنة ﴿لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾.