فيجيبهم الباري جل شأنه: (ما ننزل الملائكة إِلاّ بالحق وما كانوا إِذاً منظرين).
فلو ثمّ انزال الملائكة وشاهدوا الحقيقة بأعينهم ثمّ لم يؤمنوا بما فسوف يحيق بهم، العذاب الالهي دون إمهال.
وللمفسّرين وجوهاً متباينة في تفسير (ما ننزل الملائكة إِلاّ بالحق):
1 - يرى البعض، أن أمر تنزيل الملائكة لا يتعلق بما يتقوله القائلون تحججاً،
بل هو إِعجاز رباني لإِظهار الحق وإِحقاقه.
وبعبارة أُخرى، فالإِعجاز ليس أمراً ترفيهياً يناغي تصورات الأخرين بقدر ما هو حجة إِلهية لإِثبات الحق وإِماطة الباطل.
وقد أشبعت هذه الحقيقة بما فيه الكفاية لمن يرى النّور نوراً والظلام ظلاماً من خلال ما أوصله نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق القرآن والمعاجز الأُخرى.
2 - المقصود من كلمة "الحق" هو العقاب الدنيوي بالبلاء المهلك، وبعبارة أُخرى (عذاب الإِستئصال).
أيْ... في حال عدم إِيمان الكفار المعاندين بعد نزول الملائكة على ضوء اقتراحهم فهم هالكون قطعاً.
وبهذا تكون جملة (وما كانوا إِذاً منظرين) مؤكّدة لهذا المعنى، وأمّا على التّفسير الأوّل فإِنّها تتناول موضوعاً جديداً.
3 - وقيل المراد بالحق في الآية الموت، إي أنّ الملائكة لا تنزل إِلاّ لقبض الأرواح.
لكنّ هذا المعنى بعيد جدّاً أمام ما يحفل به القرآن من ذكر نزول الملائكة في قصتي إِبراهيم ولوط عليهما السلام ومعركة بدر...الخ.
4 - وقيل المراد بالحق الشهادة (المشاهدة).
أيْ... مادام الإِنسان يعيش في عالم الدنيا فهو عاجز عن رؤية ماوراء هذا العالم حيث هناك تسبح الملائكة بحمد ربّها، لأنّ الحجب المادية قد أفسدت رؤيته ولا يتسنى له ذلك إِلاّ بعد الرحيل إِلى العالم الآخر، وحين ذلك ينتهي مفعول الماديات فتزال الحجب ويرى الملائكة.
يواجه هذا التّفسير نفس ما واجهه التّفسير الثّالث من إشكال، فقوم لوط مثلا، على ما كانوا عليه من كفر وانحراف فقد رأوا ملائكة العذاب في دنياهم(1).
من خلال ما تقدم يتبيّن لنا أن التّفسيرين الأوّل والثّاني ينسجمان مع ظاهر الآية دون الآخرين.
أمّا ما ورد في ذيل الآية من عدم الامهال بعد استجابة مطاليبهم في رؤية المعاجز الحسيّة وعدم ايمانهم بها، فلأنه قد تمّت الحجة عليهم وانتفت جميع اعذارهم وتبريراتهم، وبما أن استدامة الحياة إنّما هو لأجل اتمام الحجة واحتمال توبة ورجوع الافراد المنحرفين الى الصراط المستقيم، وهذا الامر لا موضوع له في مثل هؤلاء الاشخاص، فلذلك يحين أجلهم وينالون جزاءهم الذي يستحقونه. (فتدبّر)
﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ﴾ وقرىء بالتاء مبنيا للفاعل والمفعول ﴿إِلاَّ بِالحَقِّ﴾ بمقتضى الحكمة ﴿وَمَا كَانُواْ إِذًا﴾ أي حين نزولهم ﴿مُّنظَرِينَ﴾ ممهلين.