لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويصل أمر الغارقين في شهواتهم والمصرين في عنادهم على الباطل إِلى أنّهم لا يؤمنون حتى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون) ومع ذلك (لقالوا إِنّما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون). عجباً، أن يصل الإِنسان لهذا الدرك من العناد والتعصب!! إِن الذنوب والجهل ومعاداة الحق تؤثر على الروح الطاهرة والفطرة السليمة، فتحجبهما عن رؤية وجه الحقيقة الناصع، وتمنعهما من إِدراك الحقائق، وإذا لم يتمكن الإِنسان من رفع تلك الحجب وإِزالة الموانع، فإِنّ صورة الحق ستتلوّث في نظره فينكر كل ما هو معقول ومحسوس معاً، ومن الممكن تطهير الفطرة في المراحل الأُولى، ولكن اذا رسخت في قلبه هذه الحالة وتجذرت وأمست "ملكة" وصفة اخلاقية، فلا يمكن ازالتها بسهولة، وعندها سوف لا تترك أقوى الأدلة العقلية ولا أوضح الأدلة الحسية أي تأثير في قلبه. ملاحظات 1 - (شيع) جمع (شيعة)، ويطلق على المجموعة والفرقة التي تمتلك نهجاً مشتركاً. يقول الراغب الأصفهاني في كتاب (المفردات) - باب شيع: الشياع الإنتشار والتقوية، يقال شاع الخبر أي كثر وقوى، وشاع القوم انتشروا وكثروا، وشيعت النّار بالحطب قويتها، والشيعة: من يتقوى بهم الإِنسان. أمّا العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان) فيعتبر أنّ أصلها من المشايعة، وهي المتابعة، يقال شايع فلان فلاناً على أمره أي تابعه عليه، ومنه شيعة علي (عليه السلام) وهم الذين تابعوه على أمره ودانوا بإِمامته، وفي حديث أم سلمة عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة" إِشارة لهذا المعنى. وعلي أية حال... فالشياع بمعنى الإِنتشار والتقوية، أو المشايعة بمعنى المتابعة، كلاهما دليل على وجود نوع من الإِتحاد والإِرتباط الفكري والديني في مفهوم (الشيعة) و(التشيع). وإِطلاق لفظ (شيع) على الأقوام السابقة يدل على أنّهم في قبال دعوة الأنبياء عليهم السلام كانوا متحدين في توجههم ومتآزرين متعاضدين في عملهم. فإِن كان لأهل الضلال هذا الإتحاد والتنسيق أفلا ينبغي لأتباع الحق أن يسيروا على نور هديه متكاتفين ومتآزرين؟ 2 - مرجع الضمير في "نسلكه": من لطف الباري جلَّ شأنه أنْ يوصل ويفهم آياته للمجرمين والمخالفين بطرق شتى، عسى أن تستقر في قلوبهم، ولكّن عدم صلاحية ولياقة المحل يكون سبباً لخروجها من تلك الأجواف النتنة، فتبقى قلوباً غير متأثرة، شبيهاً بمرور الغذاء النافع في معدة مريضة فلا تتقبله وتقذفه إِلى الخارج. (ويستفاد هذا المعنى من (السلوك) المادة الأصلية لعبارة "نسلكه"). وعلى هذا الأساس فضمير "نسلكه" يعود إِلى "الذكر" أيْ القرآن كما ورد في الآيات المتقدمة، وكذلك حال الضمير في (لا يؤمنون به) يعود إِليه أيضاً، أيْ: إنّهم مع كل ذلك لا يؤمنون بالذكر. فنلحظ التوافق التام بين الضميرين بالضبط كما جاء في سورة الشعراء في الآيتين 200 و201. وذهب بعض المفسّرين إِلى أن ضمير "نسلكه" يعود إِلى الإِستهزاء المذكور في الآية المتقدمة لها، فيكون المعنى: إنّا ندخل الإستهزاء والسخرية في قلوبهم نتيجةً لذنوبهم وعنادهم. ويكفينا لتضعيف هذا التّفسير أن نقول: إنّه يُذهب بالتناسق بين الضميرين. ونستفيد كذلك من عبارة "نسلكه" أنّ على المبلغ والمرشد أن لا يكتفي في اداء وظيفته بايصال صوته الى أسماع الناس، بل عليه أن يطرق كل الآفاق حتى يوصل صوت الحق إِلى القلوب ليقرّ فيها. وبعبارة أُخرى، ينبغي الإِستفادة من جميع الوسائل... السمعية والبصرية، البرامج العملية، الأدبُ - شعراً وقصة - والفن الأصيل الهادف. لتكون كلمة الحق واضحة لذوي القلوب الواعية، والحجة تامة على مَنْ ظلم وعاند. 3 - سُنّة الأولين: تفيدنا الآية الآنفة الذكر بأنّ أساليب أهل الضلال الرامية لتخدير الناس ومحاولة تفريقهم وإِبعادهم عن أولياء اللّه لا تختص بزمان ومكان معينين، بل هي ممارسة موجودة منذ القدم وباقية ما بقي صراع الحق ضد الباطل على الأرض ولهذا لا ينبغي أن نستوحش من ذلك ونتراجع امام المشاكل والعراقيل التي يدبرها الاعداء. ولا نسمح لليأس من أنْ يدخل قلوبنا، ولا لأساليب الأعداء من أن تفقدنا الثّقة بالنفس فذكر سنن الأولين في القرآن ما هي إلاّ مواساة وتسلية مؤثرة لقلوب دعاة الإِيمان. وإذا ما تصورنا يوماً أن نشر دعوة الحق ورفع راية العدل والهداية لا يواجهان برد فعل الأعداء، فإنّنا في خطأ كبير، وأقل ما فيه أننا سنصاب بحالة اليأس المهلكة، وما علينا إِلاّ أن نستوعب مسير خط الأنبياء(عليهم السلام) في مواجهاتهم لأعداء اللّه، وأن نجسد ذلك الإستيعاب في سلوكنا، بل وعلينا أن نزداد في كل يوم عمقاً في دعوتنا. 4 - تفسير (فظلوا فيه يعرجون): يظهر هذا المقطع القرآني - بوضوح - تصويراً لحال المعاندين، فلو أنّ باباً من السماء فتحت لهم وظلوا يصعدون وينزلون من خلاله، لقالوا: سحرت عيوننا وحجبت عن رؤية الواقع!! (يبدو أنّ المراد من السماء هنا: الفضاء الخارجي الذي لا يمكن النفوذ منه بسهولة). علماً بأنّ كلمة "ظلوا" تستعمل لاستمرار العمل في النهار وتقابلها كلمة(باتوا) من البيتوتة اللّيل. ويميل إِلى هذا المعنى غالب المفسّرين ولكن العجيب أن بعض المفسّرين احتملوا عودة ضمير "ظلّوا" إِلى الملائكة، فيكون المعنى: أنّهم لو رأوا الملائكة تصعد وتنزل من السماء بأُمّ أعينهم لما آمنوا أيضاً. ولكن إِضافة لعدم انسجام هذا الإِحتمال مع تسلسل الآيات السابقة واللاحقة التي تتحدث عن المشركين، أن ذكر الملائكة إِنّما ورد قبل ست آيات (فعودة الضمير إِلى الملائكة بعيد جدّاً) فإنّ هذا المعنى يقلل من بلاغة العبارة القرآنية، لأنّ القرآن يريد أن يقول أنّ المشركين لايستسلمون للحق حتى لو صعدوا وهبطوا من السماء مراراً في ساعات النهار. 5 - معنى عبارة (سكرت أبصارنا) جملة "سُكّرت" من مادة (سكر) أي: التغطية. ويراد بها: أنّ الكافرين المعاندين يقولون: قد غطيت عيوننا عن رؤية الواقعيات، وإِذا رأينا أنفسنا نصعد إلى السماء وننزل إِلى الأرض سنحكم على ذلك بأنّه وهم وخيال، كما في ما يسمّى بالشعوذة التي يستفيد صاحبها من خفة حركة يده فيخدع أنظار الحاضرين بها. ويضيفون القول: (بل نحن قوم مسحورون)، فبالرغم من أنّ الشعوذة هي لون من ألوان السحر، لكنّهم ربما يشيرون إِلى ما هو أشد من الشعوذة التي تختص بخداع البصر فقط، ألا وهو السحر الكامل الذي يغطي على كل وجود الانسان ويفقد معه الإِحساس بكل ما هو واقع!! فلو أغلقنا عين انسان ما فإنّه لا يفقد الشعور فيما لو أنّه يُصَعَّد به إِلى الأعلى أو يُنَزَّل إلى الأسفل. فمعنى الآية: لو أخذنا المشركين إِلى أقطار السماوات لقالوا أوّلاً: إنّنا أصبنا بالشعوذة، وبعد أن يجدوا أنّ هذه العملية لا تتوقف على العين فقط فسيقولون حينها: إِنّنا مسحورون!! ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ﴾ في الباب ﴿يَعْرُجُونَ﴾ يصعدون إليها أو تصعد الملائكة وهم يرونهم.