وبما أنّ وسائل وعوامل حياة الإِنسان غير منحصرة بالنبات والمعادن فقط، ففي الآية التالية يشير القرآن الكريم إِلى جميع المواهب بقوله: (وجعلنا لكم فيها معايش).
ليس لكم فقط، بل لجميع الكائنات الحية حتى الخارجة عن مسؤوليتكم (ومَن لستم له برازقين).
نعم، لقد كفينا الجميع احتياجاتهم.
"معايش" جمع "معيشة"، وهي: الوسائل والمستلزمات التي تتطلبها حياة الإِنسان، والتي يحصل عليها بالسعي تارة، وتأتيه بنفسها تارة أُخرى.
ومع أن بعض المفسّرين قد حصر كلمة "معايش" بالزراعة والنبات أو الأكل والشرب فقط، ولكنّ مفهومها اللغوي أوسع من أن يخصص، ويطلق ليشمل كل ما يرتبط بالحياة من وسائل العيش.
وانقسم المفسّرون في تفسير (مَنْ لستم له برازقين) إِلى قسمين:
الأوّل: أنّ اللّه تعالى يريد أن يبيّن مواهبه ونعمه الشاملة للبشر والحيوان والكائنات الحية الأُخرى التي لا يملك الإِنسان أمر تغذيتها ولا يستطيعه.
الثّاني: أنّ اللّه تعالى يريد تذكير الإِنسان بأنّه سبحانه هو الرازق، وقد تكفل بإيصال رزقه إِلى كل محتاج له سواء كان بواسطة الإِنسان أو بواسطة أُخرى(4).
ويبدو لنا أنّ التّفسير الأوّل أكثر صواباً، ويعزز ذلك الحديث المروي في تفسير علي بن إِبراهيم، حيث يتناول معنى (ومَنْ لستم له برازقين) على أنّه: (لكل ضرب من الحيوان قدّرنا له مقدراً)(5).
أمّا آخر آية من الآيات المبحوثة، فتحوي جواباً لسؤال طالما تردد على أذهان كثير من الناس، وهو: لماذا لم تهيأ النعم والأرزاق بما لا يحتاج إِلى سعي وكدح؟!!
﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ ما تعيشون به من المطاعم والملابس ﴿وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ عطف على.