سبب النّزول
(عمرو بن الجموح) شيخ ثريّ سأل رسول الله (ص) عمّا ينفق ولمن يعطي؟ فنزلت الآية(1).
التّفسير
يتعرّض القرآن الكريم في آيات عديدة إلى الإنفاق والبذل في سبيل الله، وحثّ المسلمين بطرق عديدة على الإنفاق والأخذ بيد الضعفاء، وهذه الآية تتناول مسألة الإنفاق من جانب آخر، فثمة سائل عن نوع المال الذي ينفقه، ولذلك جاء تعبير الآية بهذا الشكل (يسألونك ماذا ينفقون).
وفي الجواب بيّنت الآية نوع الإنفاق، ثمّ تطرّقت أيضاً إلى الأشخاص المستحقّين للنفقة، وسبب نزول الآية كما مرّ يبيّن أنّ السؤال اتّجه إلى معرفة نوع الإنفاق ومستحقّيه.
بشأن المسألة الاُولى: ذكرت الآية كلمة "خير" لتبيّن بشكل جامع شامل ما ينبغي أن ينفقه الإنسان، وهو كلّ عمل ورأسمال وموضوع يشتمل على الخير والفائدة للناس، وبذلك يشمل كلّ رأسمال مادّي ومعنوي مفيد.
وبالنسبة للمسألة الثانية: أي موارد الإنفاق- فتذكر الآية أولاً الأقربين وتخصّ الوالدين بالذكر، ثم اليتامى ثم المساكين، ثم أبناء السبيل، ومن الواضح أنّ الإنفاق للأقربين- إضافة إلى ما يتركه من آثار تترتّب على كلّ إنفاق- يوطّد عرى القرابة بين الأفراد.
(وما تفعلوا من خير فإنّ الله به عليم).
لعلّ في هذه العبارة من الآية إشارة إلى أنّه يحسن بالمنفقين أن لا يصرّوا على اطّلاع الناس على أعمالهم، ومن الأفضل أن يسرّوا انفاقهم تأكيداً لإخلاصهم في العمل، لأنّ الذي يجازي على الإحسان عليم بكلّ شيء، ولا يضيع عنده سبحانه عمل عامل من البشر.
بحث
التجانس في السؤال والجواب:
ذهب البعض إلى أنّ مورد السؤال في هذه الآية عن الأشياء التي يجب الإنفاق منها، ولكنّ الجواب كان عن مصارف هذه النفقات والصّدقات، أي الأشخاص المستحقّين لها، وذلك بسبب أنّ معرفة موارد الصّرف أهم وأولى، ولكنّ هذا الفهم من الآية اشتباه محض، لأنّ القرآن الكريم أجاب عن سؤالهم وكذلك بيّن موارد الإنفاق، وهذا من فنون الفصاحة والبلاغة بحيث يجيب على السؤال ويضيف عليه بيان مسألة مهمّة ضروريّة.
وعلى أيّ حال فإنّ جملة (ما أنفقتم من خير) تبيّن أنّ الإنفاق أمر جميل وحسن في كلّ موضوع ومن كلّ شيء ويستوعب جميع الاُمور الحسنة سواءً كانت في الأموال أو الخدمات أو الموضوعات الماديّة أو المعنويّة.
ثمّ أنّ كلمة (خير) ذُكرت بصورة مطلقة أيضاً، وتدلّ على أنّ المال والثروة ليست شيئاً مذموماً بذاته، بل هي من أفضل وسائل الخير بشرط الإستفادة السليمة والصحيحة منها.
وكذلك فإنّ التعبير بكلمة (خير) يُمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الإنفاق يجب أن يكون خالياً من كلّ أذى ومنّة بالنسبة إلى الأشخاص المعوزين حتّى يمكن أن يطلق عليه كلمة (خير) بشكل مطلق.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ قيل كان عمرو بن الجموح شيخا ذا مال فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما أتصدق وعلى من أتصدق فنزلت ﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ﴾ مال ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ لا يضيعه.