تشيرالآية إلى النقطة المقابلة لهذه الطائفة، وهم المؤمنون المجاهدون وتقول: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اُولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم).
أجل، فهذه الطائفة الّتي يتحلّى أفرادها بهذه الصّفات الثلاث المهمّة (الإيمان والهجرة والجهاد) قد يرتكبون خطأً بسبب جهلهم وعدم أطّلاعهم (كما صدر ذلك من عبدالله بن جحش الوارد في سبب النزول) إلاّ أنّ الله تعالى يغفر لهم زلّتهم بلطفه ورحمته(5).
بحث
الإحباط والتكفير:
(حبط) في الأصل كما يقول الراغب في مفرداته بمعنى أنّ الحيوان قد يأكل كثيراً حتّى تنتفخ بطنه، وبما أنّ هذه الحالة تؤدّي إلى فساد الغذاء وعدم تأثيره الإيجابي في الحيوان استُعملت هذه الكلمة بمعنى البطلان وذهاب الأثر، ولذلك ورد في معجم مقاييس اللّغة أنّ معنى هذه الكلمة هو البطلان، ومن ذلك ما ورد في آية (16) من سورة هود حيث أوردت هذه الكلمة مساوقة للبطلان (اُولئك الّذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون).
وأمّا (الإحباط) فكما يقول علماء العقائد والمتكلّمون أنّها تعني إبطال ثواب الأعمال السابقة بسبب ارتكاب الذنوب اللاّحقة، ويقابله "التكفير" بمعنى زوال العقوبات وآثار الذنوب السابقة بسبب الأعمال الصالحة بعد ذلك.
وهناك بحث بين علماء العقائد في صحّة الإحباط والتكفير بالنّسبة لثواب الأعمال الصالحة وعقوباتها وعقاب الأعمال الطالحة والمشهور بين المتكلّمين الإماميّة كما يقول العلاّمة المجلسي هو بطلان الإحباط والتكفير، غاية الأمر إنهم يرون أنّ تحقق الثواب مشروط أن يستمر الإنسان على إيمانه في الدنيا إلى النهاية، والعقاب مشروط كذلك بأن يرحل من هذه الدنيا بدون توبة، ولكنّ العلماء المعتزلة يعتقدون بصحّة الإحباط والتفكير بالنّظر إلى ظواهر بعض الآيات والروايات(6).
ويرى الخواجة نصر الدين الطوسي في كتاب (تجريد العقائد) بطلان القول بالإحباط، واستدلّ على ذلك بالدليل العقلي والنقلي، أما الدليل العقلي فهو أنّ الإحباط نوع من الظلم (لأنّ الشخص الّذي قلّت حسناته وكثرت ذنوبه سيكون بعد الإحباط بمنزلة من لم يأت بعمل حسن إطلاقاً وهذا نوع من الظلم بحقّه)، وأمّا الدليل النقلي فالقرآن يصرّح (فمن يعلم مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره)(7)(8).
بعض علماء المعتزلة مثل (أبوهاشم) ذهب إلى إقتران الإحباط والتكفير بشكل متوازن، بهذا المعنى أنّه جمع بين العقاب والثواب في ميزان واحد وبعد حدوث الكسر والإنكسار بينهما يتمّ الحصول على النتيجة النهاية.
ولكنّ الحقّ هو أنّ الإحباط والتكفير من الاُمور الممكنة، ولا تستلزم الظلم مطلقاً، وتدل على ذلك الآيات والرّوايات الصّريحة، والظاهر أنّ ما ذهب إليه المنكرون هو نوع من الإلتباس اللّفظي.
وتوضيح ذلك: تارةً يعمل الإنسان سنوات طويلة بمشّقة كبيرة ويُنفق رأس مال كثير، ولكنّه قد يخسر كلّ تلك الأفعال بخطأ بسيط، فهذا يعني أنّ حسناته السابقة قد اُحبطت، وعلى العكس من ذلك فيما لو كان قد خسر كثيراً في السابق لإرتكابه بعض الأخطاء والحماقات، ولكنّه يجبر ذلك بعمل عقلائيٍّ واحد، فهذا نوع من أنواع التكفير (التكفير نوع من أنواع التغطية والجبران) وكذلك يصدق هذا الأصل في المسائل المعنوية أيضاً.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ﴾ نصرته في الدنيا وثوابه في الآخرة ﴿وَاللّهُ غَفُورٌ﴾ لذنوبهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم وفيه إشعار بأن الرجاء إنما يليق مع وجود أسبأبه لا بدونه فإنه رجاء كاذب وغرور.