لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تدعو الآية المؤمنين إِلى التفكر ملياً في هذه القصة واستخلاص العبر منها: (إِنّ في ذلك لآية للمؤمنين). فكيف يمكن للمؤمن أن لا يعتبر ولا يهتز عندما يطالع خبر هذه الواقعة؟!! بحثنا بشيء من التفصيل في الآيات المتعلقة بقوم لوط في سورة هود من هذا التفسير، فبحثنا في معنى "سجيل"، ولماذا أُمطر على هؤلاء القوم المنحرفين بالحجارة، ولماذا قلبت مدينتهم، ولماذا كان العذاب صباحاً، ولماذا أُمر لوط وأهله أنْ لا يلتفتوا إِلى الوراء، وكذلك بحثنا مسألة تحريم الشذوذ الجنسي في الأديان السماوية وفلسفة التحريم، بالإِضافة إِلى بحث في أخلاق قوم لوط... وسنبحث هنا بعض ما تبقى من الإِشارات المتعلقة بهذه القصّة. بحوث 1 - ما المقصود بـ (قطع من الليل)؟ "القطع" بمعنى سواد الليل. يقول المرحوم الطبرسي في (مجمع البيان): القطع كأنّه جمع قطعة، ومعناه: سر بأهلك بعدما يمضي أكثر الليل وتبقى قطعة منه. ولكنّ الراغب الأصفهاني في مفرداته يعتبر كلمة "قطع" بمعنى قطعة على صيغة المفرد، مع أن كثيراً من المفسّرين فسّروها بأواخر الليل وعند السحر، ولعل تفسيرهم يعود إِلى الآيات الأُخرى التي تحدد هذا الوقت في قصّة آل لوط(نجيناهم بسحر)(3). أيْ إنّهم خرجوا عندما كان عبّاد الشهوة غارقين في نوم غفلتهم وقد أفسد وجودهم سكر الشراب والغرور والشهوات، فكانت المدينة مهيئة لآل لوط في الخروج بسلام. ثمّ إِنّ نزول العقاب كان في الصباح عند شروق الشمس، ولعل انتخاب هذا الوقت كان لإِعطاء المهلة لقوم لوط بعد أن فقدوا أبصارهم، عسى أن يتفكروا في أمرهم فيعيدوا النظر في شركهم وعصيانهم، فكانت تلك الليلة آخر فرصة لهم. ويستفاد من بعض الرّوايات... أنّ بعضاً منهم عندما كانوا في طريق عودتهم إِلى دورهم أقسموا أن لا يدعوا أحداً من آل لوط حياً عند الصباح، ولهذا نزل عليهم العذاب الإِلهية في ذلك الوقت(4). 2 - تفسير قوله تعالى: (وامضوا حيث تؤمرون). ذكرنا أنّ الملائكة أوصت آل لوط بالخروج آخر الليل إِلى المكان الذي عين لهم، إِلاّ أن الآيات القرآنية لم تدخل في تفاصيل ذلك السفر ولم تعين المنطقة التي سيذهبون إِليها، لذلك عرض المفسّرون جملة آراء بهذا الخصوص. فمنهم مَنْ قال: أُمروا بالسير نحو الشام لأنّ محيطها أكثر طهارة. وقال بعض آخر: إِنّ الملائكة عينت لهم قرية وطلبت منهم الذهاب إِليها. واكتفى تفسير الميزان بعبارة: كان لديهم نوع من الهدية الإِلهية والدلالة العلمية في سلوك طريقهم. 3 - علاقة الرّبط بين "المتوسم" و"المؤمن". لاحظنا تعبير (إِنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) و(إِنّ في ذلك لآية للمؤمنين)في الآيات الحاكية عن قصّة قوم لوط، والجمع بين التعبيرين يعطينا: أنّ المؤمن الحقيقي هو المتوسم الذكي ذو الفراسة والنباهة. وفي رواية عن الإُمام الباقر(عليه السلام) عندما سئل عن تفسير قوله تعالى: (إِنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) قال: هم الأُمّة، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور اللّه عزَّ وجلّ"(5). وفي رواية أُخرى عن الإِمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "هم الأئمّة"(6). وروي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: "كان رسول اللّه المتوسم، وأنا من بعده، والأئمّة من ذريتي المتوسمون"(7). 4 - سكر الشّهوة والغرور!! إِن سكر الخمر معروف، وثمة سكر أشد منه آثاراً كسكر المنصب وسكر الشهوة، وقرأنا في الآيات السابقة كيف أن اللّه يقسم بروح نبيّه (لعمرك إنّه لفي سكرتهم يعمهون)، ولهذا فإنّهم لا يبصرون أوضح طرق النجاة، وبلغ بهم الحال أنْ يردوا ما عرض عليهم نبيّهم(عليهم السلام) أن يشبعوا شهواتهم بالطريق الصحيح المشروع ليتخلصوا من الذنوب والتلوثات وقبائح الأفعال!! والذي نستفيده من موقف لوط (عليه السلام) هو أنّ مكافحة الفساد لا يتم بالنهي عنه فقط، بل لابدّ من تهيئة وتعبيد الطريق المعبدة البديلة، لينتقل الضال أو المضلل به من جادة الفساد إِلى جادة الصلاح، فلابد من تهيئة الأوضاع والأجواء السليمة للناس مع وجود البرامج المؤثرة الهادفة. ومن غريب ما نطالعه في بعض الرّوايات... أنّ لوطاً (هذا النّبي الجليل) قد قضى بين قومه ثلاثين عاماً وهو يدعوهم إِلى الهدى ويحذرهم من مغبة الإِنغماس في متاهات الضلال، ومع ذلك لم يؤمن به إِلاّ أهل بيته (ما عدا زوجته)(8). ما أعظم ثباته(عليه السلام)!! مع منحرفين لدرجة لا يطيق أيُّ إِنسان العيش معهم حتى ولو لساعة واحدة!! بل وما أصعب العيش مع تلك الزوجة!! ونقرأ في الآيتين الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين من سورة الذاريات: (فأخرجنا مَنْ كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)؟ فيتّضح لنا... أنّ العقاب الإِلهي لا يكون عشوائياً، بل لا يشمل إِلاّ المستحقين له ولو كان هناك مؤمن واحد عامل بواجباته لا نقذه اللّه تعالى من بينهم. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ لعبرة ﴿لِّلْمُؤمِنِينَ﴾.