(فانتقمنا منهم) وعاقبناهم على ظلمهم واستبدادهم... وجعلنا أرضهم وأرض قوم لوط - المتقدمة قصّتهم - على طريقكم (وإِنّهما لبإِمام مبين) فانظروا إِليها وإِلى عاقبة أمرهم، واعتبروا يا أُولي الألباب.
مَنْ هم أصحاب الأيكة؟
قال جمع من المفسّرين، بالإِضافة إِلى أرباب اللغة: "الأيكة": هي الأشجار المتشابكة مع بعضها، و"أصحاب الأيكة": هم قوم "شعيب" الذين عاشوا في بلدة مليئة بالماء والأشجار بين الحجاز والشام وكانت حياتهم مرفهة ثرية فأُصيبوا بالغرور والغفلة، فأدى ذلك إلى الإحتكار والفساد في الأرض.
وقد دعاهم شعيب(عليه السلام) إِلى التوحيد ونهج طريق الحق، مع تحذيره المكرر لهم من عاقبة أعمالهم السيئة فيما لو استمروا على الحال التي هم عليها.
ومن خلال ما بيّنته الآيات في سورة هود، فإنّهم لم ينصاعوا للحق ولم ينصتوا لداعيه حتى جاءهم عذاب اللّه المهلك.
فبعد أن يئس من إِصلاحهم أصابهم حرٌّ شديد استمر لعدّة أيّام متصلة، وفي اليوم الأخير ظهرت سحابة في السماء اجتمعوا في ظلها، ليتفيؤوا من حر ذلك اليوم، فنزلت عليهم صاعقة مهلكة فقطعت دابرهم عن آخرهم.
ولعل استعمال القرآن لعبارة "أصحاب الأيكة" في تسميتهم، إِشارة إِلى النعم التي أعطاها اللّه لهم، ولكنّهم استبدلوا الشكر بالكفر، فأقاموا صرح الظلم والإِستبداد، فحقّت عليهم كلمة اللّه فأهلكوا بالصاعقة هم وأشجارهم.
وورد ذكرهم مفصلا - مع التصريح باسم شعيب - في الآيات (176) حتى (190) من سورة الشعراء.
وينبغي الإِلتفات إلى أنّ عبارة (فانتقمنا منهم) يمكن أن تشمل قوم لوط وأصحاب الأيكة معاً، بدليل ما يأتي بعدها مباشرة (وإِنّهما لبإِمام مبين).
والمشهور عند المفسّرين أنّ الآية تشير إِلى مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة.
وكلمة "إِمام" بمعنى طريق وجادة، لأنّها من مادة.
"أمَّ"، بمعنى القصد، حيث أنّ الإِنسان حينما يسير في طريق ما إِنّما يسير لأجل الوصول إِلى غاية معينة أو قصد معين.
واحتمل البعض أنّ الإِمام المبين هو اللوح المحفوظ، بدلالة الآية (12) من سورة يس.
ولكن هذا الإحتمال مستبعد، لأنّ القرآن هنا في صدد إِعطاء درس العبرة للإِعتبار، ووجود اسم هذين البلدين في اللوح المحفوظ سيكون بعيداً عن التأثير في اعتبار الناس وتذكيرهم، في حين أن وجود هذين البلدين على طريق القوافل والمارة يمكن أن يكون له الأثر البالغ فيهم.
فعند وقوف الناس قرب تلك الآثار وتذكر خبر أهلها وما جرى لهم من سوء العاقبة، ربّما سيهمل دموع العابرين عند أرض قوم لوط مرّة، وعند أرض أصحاب الأيكة مرّة أُخرى... فتكون تلك اللحظات لحظات اعتبار، بعدما عرفوا أو استذكروا ما حل بالقومين من دمار وهلاك نتيجة ظلمهم وضلالهم.
أمّا "أصحاب الحجر" فهم قومٌ عُصاة عاشوا مرفهين في بلدة تدعى "الحجر" وقد بعث اللّه إِليهم نبيّه صالح(عليه السلام) لهدايتهم.
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ بإهلاكهم بالحر والظلة وهي سحابة استظلوا بها من الحر فأحرقتهم بصاعقة ﴿وَإِنَّهُمَا﴾ أي سدوم والأيكة أو الأيكة ومدين لدلالة الأيكة عليها لأنه بعث إليهما ﴿لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ بطريق واضح وسمي إماما لأنه يؤم وكذا اللوح.