وبعد هذه الهبة العظيمة يأمر اللّه تعالى نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأربعة أوامر فيقول له أوّلاً: (لا تمدّن عينيك إِلى ما متعنا به أزواجاً منهم)(5).
فمتع الحياة الدنيا ليست دائمة ولا خالية من التبعات، والحفاظ عليها أمر صعب في أحسن الحالات.
ولهذا، لا تستحق الإِهتمام بها مقابل ما أعطاك اللّه عزَّوجلّ من العطاء المعنوي الجزيل (أيْ القرآن).
ثمّ يقول في الأمر الثّاني: (ولا تحزن عليهم) لما عندهم من أموال ونعم مادية.
فالأمر الأوّل في الحقيقة يتعلق بعدم الإِهتمام والتوجه نحو النعم المادية، والأمر الثّاني يتعلق بعدم التأثر لفقدانها.
وقد جاء ما يشبه هذا المضمون في الآية (131) من سورة طه حيث يقول جل وعلا بتفصيل أكثر: (ولا تمدّن عينيك إِلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خير وأبقى).
والأمر الثّالث: جاء بخصوص ضرورة اللين والتواضع مع المؤمنين حيث يقول: (واخفض جناحك للمؤمنين).
إِنّ هذا التعبير، كناية جميلة عن التواضع والمحبّة والملاطفة، فالطيور حينما تريد إِظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفضها، فتجسّم بذلك أعلى صور العاطفة والحنان وتحفظهم من الحوادث والأعداء، وتحميهم من التشتت.
والتعبير المذكور عبارة عن كناية مختصرة بليغة ذات مغزىً ومعان كثيرة جدّاً.
ويمكن أن يحمل ذكر هذه الجملة بعد الأوامر الثلاثة المتقدمة إِشارة تحذير بعدم إِظهار التواضع والإنكسار أمام الكفار المتنعمين بزهو الحياة الدنيا، بل لابدّ للتواضع والحب والعاطفة الفياضة لمن آمن وإِنْ كان محروماً من مال الدنيا.
﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ لا تنظرن نظر راغب ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ﴾ أصنافا من الكفار فإنه حقير بالنسبة إلى ما أوتيته من القرآن وغيره فإنه المؤدي إلى النعيم الباقي ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ إن لم يؤمنوا ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾ ألن جانبك ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.