ثمّ يأتي الحديث عن الجبال بعد عرض فوائد البحار: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)(2).
كما قلنا سابقاً فإِنّ الجبال متصلة من جذورها وتقوم بتثبيت الإرض ممّا يجعلها مانعاً حصيناً من الزلازل الأرضية الشديدة الناشئة من الغازات الكامنة في باطن الأرض والمهددة بالخروج في أية لحظة على شكل زلزال.
إِضافة لخاصية الجبال في مد القشرة الأرضية بالمقاومة اللازمة أمام جاذبية القمر (التي تسبب ظاهرة المد والجزر) ويقلل من أثرها إِلى حد كبير.
وللجبال من جانب ثالث القدرة على تقليل شدة حركة الرياح وتوجيه حركتها، ولو لم تكن الجبال لكن سطح الأرض عرضة للعواصف الشديدة المستمرة.
ثمّ يتطرق القرآن الكريم مباشرة إِلى نعمة الأنهار، لما بين الجبال والأنهار من علاقة وثيقة حيث تعتبر الجبال المخازن الأصلية للمياه، فيقول: (وأنهاراً).
ثمّ يقطع القرآن الكريم الوهم الحاصل عند البعض من أن الجبال حاجز بين ارتباط الأراضي فيما بينها بالإِضافة لكونها مانعاً رهيباً أمام حركة النقل، فيقول (وسبلا لعلكم تهتدون)(3).
وهذه المسألة ملفتة للنظر حقاً، حيث نجد طرق عبور يستطيع أن يتخذها الإِنسان سبيلا لتنقلاته بين أكبر السلاسل الجبلية وعورة في العالم، وقليلا ما يكون هناك قطع كامل بين المناطق بسبب الجبال.
ثمّ يضيف قائلا: (وعلامات) لأنّ الطريق لوحدها لا يمكنها أن توصل الإِنسان لمقصده دون وجود علامات فارقة ومميزات شاخصة يستهدي بها الإِنسان لسلك ما يوصله لمأربه، ولذا ذكر هذه النعمة.
ومن تلك العلامات: شكل الجبال، الأودية، الممرات، الإِرتفاع والإِنخفاض، لون الأرض والجبال وحتى طبيعة حركة الهواء.
ولمعرفة ما لوجود هذه العلامات من أهمية، يكفينا أن نلقي نظرة إِلى حال الصحاري الواسعة ذات الصفة الواحدة الموجودة في بعض مناطق العالم، حيث عملية التنقل فيها أمر صعب مستصعب إِلى حد كبير، إِضافة لخطورته الكبيرة، وكم هناك من مسافر دخل فيها ولم يعد... فلو كان سطح الأرض كله على شاكلة الصحاري، كأن تكون الجبال كلها بشكل وحجم واحد، وحقولها بلون واحد، وأوديتها متشابهة تماماً... فهل كان من اليسير على الإِنسان أن يسير عليها؟!!
﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ جبالا ثوابت ﴿أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ كراهة أن تضطرب ﴿وَ﴾ جعل فيها ﴿أَنْهَارًا وَسُبُلاً﴾ طرقا ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لمقاصدكم أو إلى توحيده تعالى.