لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي نهاية المطاف، يفند الباري سبحانه مسألة حصر النعم الإِلهية بما ذكر، بقوله: (وإِن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها). إِنّكم غارقون في النعم الإِلهية وفي كل نفس يصعد وينزل آلاف النعم (ولكل نعمة شكر واجب). إِنّ كل دقيقة تمر من عمرنا نكون فيها مدينين لفعاليات ملايين الموجودات الحيّة في داخل بدننا وملايين الموجودات الحية وغير الحية في خارجه، والتي لا يمكننا أن نحيا ولو للحظة واحدة بدونها. ولكنّ ضبابية الغفلة حالت دون معرفتنا لهذه النعم الجمة التي كلّما خطا العلم الحديث خطوة إِلى الأمام اتّضحت لنا أبعاد واسعة وانفتحت لنا آفاقاً جديدة في معرفة النعم الإِلهية، وكل ما ندركه في هذا المجال قليل جدّاً ممّا قدّره الباري لنا، فهل بإمكان المحدود أن يعد ما أعطاه المطلق؟!! ونواجه في هذا المقام سؤالا وإستفساراً: كيف إِذَنْ نؤدي حق الشكر للّه؟ و... ألسنا مع ما نحن فيه زمرّة الجاحدين؟ وقوله تعالى: (إِنّ اللّه لغفور رحيم) خير جواب لما واجهنا به. نعم، فهو سبحانه أرحم وأرأف من أن يؤاخذنا على عدم الإِستطاعة في أداء أتمّ الشكر على نعمه. ويكفينا من لطفه تعالى بأن يحسبنا من الشاكرين في حال اعتذرنا له واعترافنا بالعجز عن أداء حق الشكر الكامل. ولكن هذا لا يمنع من أن نتتبع ونحصي النعم الرّبانية بقدر المستطاع، لأنّ ذلك يزيدنا معرفة للّه، وعلماً بعالم الخليقة، وآفاق التوحيد الرحبة، كما يزيد من حرارة عشقه سبحانه في أعماق قلوبنا، وكذا يحرك فينا الشعور المتحسس بضرورة ووجوب شكر المنعم جل وعلا. ولهذا نجد أنّ الأئمّة(عليهم السلام) يتطرقون في أقوالهم وأدعيتم ومناجاتهم إِلى النعم الإِلهية ويعدون جوانب منها، عبادةً للّه وتذكيراً ودرساً للآخرين. (وقد تناولنا مسألة شكر النعمة وعدم قدرة الإِنسان على إِحصاء النعم الإِلهية عند بحث الآية الرّابعة والثلاثين من سورة إِبراهيم). بحث الطريق ، العلامة ، القائد: تحدثت الآيات أعلاه عن الطرق الأرضية بكونها إحدى النعم الإِلهية باعتبارها من أهم وسائل الإِرتباط في طريق التمدن الإِنساني. ولهذا عند وضع الخطط العمرانية لابد معها من رسم وبناء خطوط الطرق المناسبة للمكان المقصود، وإِلاّ لا يمكن أن يقام عمران. ومع هذا، فلا يمكننا حصر البيان القرآني بهذا الجانب فحسب، بل يمكننا القول بأنّه يشمل حتى جوانب الحياة المعنوية للبشرية أيضاً، لأنّ الوصول إِلى هدف مقدس يستلزم سلوك الطريق الصحيح لذلك الهدف. بالإِضافة إِلى الأهمية الحيويه الوجود العلامات في تشخيص السبيل من بين كثرة السبل وتشابكها، فإِضاعة السبيل الأصلي ممكن في حال عدم وجود ما يدل عليه من "علامات". وخصوصاً، ورود تسمية المؤمنين في الآيات القرآنية بالمتوسمين للتأكيد على ضرورة الإِنتباه إِلى هذه العلامات. فلكي يستطيعوا تشخيص الحق من الباطل لابد من معرفة المذاهب والسنن والدعوات المختلفة، بل حتى الأشخاص، وذلك من خلال (العلامات). وأمّا مسألة وجود القائد فلا تحتاج لتوضيح وبيان (الموضح لا يوضح). وقد فسرت "النجم" برسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) و"العلامات" بالأئمّة(عليهم السلام) في روايات كثيرة وردت عن أهل البيت(عليهم السلام)... وفي بعضها فسّر "النعم" و"العلامات" كلاهما بالأئمّة(عليهم السلام)، ونشير هنا إِلى نماذج من الرّوايات: 1 - في تفسير علي بن إِبراهيم عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "النجم رسول اللّه، والعلامات الأئمّة(عليهم السلام)"(4) وورد مثله عن الإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام). 2 - وروي عن الإِمام الباقر(عليه السلام) في تفسير الآية أعلاه أنّه قال: "نحن النجم"(5). 3 - وروي كذلك عن الإِمام الرضا(عليه السلام) أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي(عليه السلام): "أنت نجم بني هاشم"(6). 4 - وفي رواية أُخرى: "أنت أحد العلامات"(7). وكل ذلك يشير إِلى التّفسير المعنوي لهذه الآيات. ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ لا تحصروا عددها فضلا عن شكرها ﴿إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ﴾ لتقصيركم في شكرها ﴿رَّحِيمٌ﴾ حيث لم يقطعها بتقصيركم.