توضح الآية الأُخرى أعمالهم بالقول: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الاّ ساء ما يزرون).
لأنّ أقوالهم الباطلة لها الأثر السلبي بتضليل أعداد كبيرة من الآخرين.
فمن أسوأ ممن حُمِّلَ أوزار آلاف البشر إلى وزره!! والأكثر من ذلك أنْ أقوالهم ستركد في مخيلة مَنْ يأتي بعدهم من الأجيال لتكون منبعاً لإِضلالهم، ممّا يزيد في حمل الأوزار باطراد.
وقد جاءت عبارة "ليحملوا" بصيغة الأمر، أمّا مفهومها فلبيان نتيجة وعاقبة أعمال أُولئك المظلِلين، كما نقول لشخص ما: لكونك قمت بهذا العمل غير المشروع فعليك أن تتحمل عاقبة ما فعلت بتذوقك لمرارة عملك القبيح.
(واحتمل بعض المفسّرين أن لام (ليحملوا، لام نتيجة).
والأوزار: جمع وزر، بمعنى الحمل الثقيل، وجاءت بمعنى الذنب أيضاً، ويقال للوزير وزير لعظم ما يحمل من مسؤولية.
ويواجهنا السؤال التالي...لماذا قال القرآن: يحملون من أوزار الذين يضلونهم ولم يقل كل أوزارهم، فى حين أن الرّوايات تؤكد... أن "مَنْ سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها إِلى يوم القيامة"؟
أجاب بعض المفسّرين بوجود نوعين من الذنوب عند المضلَّلين، نوع ناتج من أتباعهم لأئمّة الضلال، والنوع الآخر من أنفسهم، فما يحمله أئمّتهم وقادتهم هو من النوع الأوّل دون الثّاني.
واعتبر البعض الآخر من المفسّرين أنّ "مِنْ" في هذه الجملة ليست تبعيضية، بل جاءت لبيان أنّ ذنوب الأتباع على عاتق المتبوعين.
وثمّة تفسير آخر قد يكون أقرب إِلى القبول من غيره، يقول: إِنّ الأتباع الضالين لهم حالتان من التبعية...
فتارةً يكونون أتباعاً للمنحرفين على علم وبيّنة منهم، والتأريخ حافل بهكذا صور، فيكون سبب الذنب أوامر القادة من جهة، وتصميم الأتباع من جهة أُخرى فيقع على عاتق القادة قسم من المسؤولية المترتبة على هذه الذنوب "ولا يقلل من وزر الأتباع شيء".
وتارةً أُخرى تكون التبعية نتيجة الإِستغفال والوقوع تحت شراك وساوس المنحرفين من دون حصول الرغبة عند المتبوعين فيما لو أدركوا حقيقة الأمر، وهو ما يشاهد في عوام الناس عند الكثير من المجتمعات البشرية، (وقد يسلك طريق الضلال بعنوان التقرب إِلى اللّه)... وفي هذه الحال يكون وزر ذنوبهم على عاتق مضلِّيهم بالكامل، ولا وزر عليهم إِنْ لم يقصّروا بالتحقق من الأمر.
ولا شك أنّ المجموعة الأُولى التي سارت في طريق الضلال عن علم وبيّنة من أمرها سوف لا يخفف من ذنوبهم شيء مع ما يلحق أئمّتهم من ذنوبهم.
وهنا يلزم ملاحظة أنّ التعبير "بغير علم" في الآية ليس دليلا على الغفلة الدائمة للمضلَّلِين، ولا يُعبّر عن سقوط المسؤولية - في جميع الحالات - على غير المطلعين بحال وشأن أئمّة السوء والضلالة بل يشير إِلى سقوط عوام الناس لجهلهم بشكل أسرع من علمائهم في شراك أو شباك المضلِّلِين.
ولهذا نرى القرآن في آيات أُخرى لا يبريء هؤلاء الأتباع ويحملهم قسطاً من المسؤولية كما في الآيتين (47 و48) من سورة غافر: (وإِذ يتحاجون في النّار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنّا نصيباً من النّار قال الذين استكبروا إنّا كلّ فيها إِنّ اللّه قد حكم بين العباد).
﴿لِيَحْمِلُواْ﴾ أي كانت عاقبة أمرهم حين قالوا ذلك إضلالا للناس أن حملوا ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ ذنوبهم ﴿كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لا تخفف من عقابهم شيء ﴿وَمِنْ﴾ وبعض ﴿أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم﴾ شاركوهم في إثم ضلالهم لأنهم دعوهم إليه فاتبعوهم ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي جاهلين كونهم ضلالا ولا عذر لهم بجهلهم إذ كان عليهم الفحص ليميزوا المهتدي من الضال ﴿أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ بئس شيء يحملونه حملهم هذا.