التّفسير
عاقبة المتقين والمحسنين:
قرأنا في الآيات السابقه أقول المشركين حول القرآن وعاقبة ذلك، والآن فندخل مع المؤمنين في اعتقادهم وعاقبته... فيقول القرآن: (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً).
وروي في تفسير القرطبي: كان يرد الرجل من العرب مكّة في أيّام الموسم فيسأل المشركين عن محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فيقولون: ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون... ويسأل المؤمنين فيقولون: أنزل اللّه عليه الخير والهدى.
ما أجمل هذا التعبير وأكمله "خيراً" خير مطلق يشمل كل: صلاح، سعادة، رفاه، تقدم مادي ومعنوي، خير للدنيا والآخرة، خير للإِنسان الفرد والمجتمع، وخير في: التربية والتعليم، السياسة والإِقتصاد، الأمن والحرية... والخلاصة: خير في كل شيء (لأنّ حذف المتعلق يوجب عموم المفهوم).
وقد وصفت الآيات القرآنية القرآن الكريم بأوصاف كثيرة مثل: النّور، الشفاء، الهداية، الفرقان (يفرق الحق عن الباطل)، الحق، التذكرة، وما شابه ذلك... ولكن في هذه الآية وردت صفة "الخير" التي يمكن أن تكون مفهوماً عاماً جامعاً لكل تلك المفاهيم الخاصة.
والفرق واضح في نعت القرآن بين المشركين والمؤمنين، فالمؤمنون قالوا: "خيراً" أي أنزل اللّه خيراً، وبذلك يظهر اعتقادهم بأنّ القرآن وحي إِلهي(1).
بينما نجد المشركين عندما قيل لهم ماذا أنزل ربّكم؟ قالوا: (أساطير الأولين) وهذا إِنكار واضح لكون القرآن وحي إِلهي(2).
وتبيّن الآية مورد البحث نتيجة وعاقبة ما أظهره المؤمنون من اعتقاد، كما عرضت الآيات السابقة عاقبة ما قاله المشركين من عقاب دنيوي وأخروي، ومادي ومعنوي مضاعف: (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة).
وقد أطلق الجزاء بال- "حسنة" كما أطلقوا القول "خيراً"، ليشمل كل أنواع الحسنات والنعم في الحياة الدنيا، بالإِضافة إِلى: (ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين).
وتشارك عبارة "نعم دار المتقين" الإِطلاق مرّة أُخرى وكلمة "خيراً"، لأنّ الجزاء بمقدار العمل كمّاً وكيفاً.
فيتّضح لنا ممّا قلنا إنّ الآية (للدين أحسنوا) إِلى آخرها تعبر عن كلام اللّه عزَّ وجلّ، ويقوى هذا المعنى عند مقابلتها مع الآيات السابقة.
واحتمل بعض المفسّرين أنّ الظاهر من الكلام يتضمّن احتمالين:
الأوّل: أنّه كلام اللّه.
الثّاني: أنّه استمرار لقول المتقين.
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ﴾ هم المؤمنون ﴿مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ﴾ أنزل ﴿خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ كرامة معجلة ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ﴾ أي ثوابهم في الآخرة ﴿خَيْرٌ﴾ منها وهو وعد للذين اتقوا أو من قولهم تفسير الخير ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ هي.