لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الأخير من الآيات مورد البحث تؤكّد التسلية لقلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بتبيان ما وصلت إِليه حال الضّالين: (إِنّ تحرص على هداهم فإِنّ اللّه لا يهدي مَنْ يضل وما لهم من ناصرين). "تحرص" من مادة (حرص)، وهو طلب الشيء بجديّة وسعي شديد. بديهي، أنّ الآية لا تشمل كل المنحرفين، لأنّ الشمول يتعارض مع وظيفة النّبي (هداية وتبليغ)، وللتاريخ شواهد كثيرة على ما لهداية الناس وإِرشادهم من أثر بالغ، وكم أولئك الذين انتشلوا من وحل الضلال ليصبحوا من خلص أنصار الحق، بل ودعاته. فعليه... تكون الجملة المتقدمة خاصة بمجموعة معينة من الضالين الذين وصل بهم العناد واللجاجة في الباطل لأقصى درجات الضلال، وأصبحوا غرقى في بحر الإِستكبار والغرور والغفلة والمعصية فأُغلقت أمامهم أبواب الهداية، فهؤلاء لا ينفع معهم محاولات النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لهديهم حتى وإِن طالت المدّة لأنّهم قد انحرفوا عن الحق بسبب أعمالهم الى درجة أنّهم باتوا غير قابلين للهداية. ومن الطبيعي أن لا يكون لهكذا أُناس من ناصرين وأعوان، لأنّ الناصر لا يتمكن من تقديم نصرته وعونه إِلاّ في أرضية مناسبة ومساعدة. وهذا التعبير أيضاً دليل على نفي الجبر، لأنّ الناصر إِنّما ينفع سعيه فيما لو كان هناك تحرك من داخل الإِنسان نحو الصلاح والهداية فيعينه ويأخذ بيده - فتأمل. ولعل استعمال "ناصرين" بصيغة الجمع للإِشارة إِلى أنّ المؤمنين على العكس من الضالين، لهم أكثر من ناصر، فاللّه تعالى ناصرهم و... الأنبياء، وعباد اللّه الصالحين، وملائكة الرحمة كذلك. ويشير القرآن الكريم إِلى هذه النصرة في الآية (51) من سورة المؤمن: (إِنّا لننصررسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد). وكذلك في الآية (30) من سورة فصلت: (إِنّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون). بحثان 1 - ما هو البلاغ المبين؟ رأينا في الآيات مورد البحث أنّ الوظيفة الرئيسية للأنبياء هي البلاغ المبين (فهل على الرسل إِلاّ البلاغ المبين). أيْ لابدّ من الدعوة علناً، وإِذا كانت ثمّة ظروف موضوعية تستدعي من الأنبياء أن تكون دعوتهم سرية، فهذا لا يكون إِلاّ لمدّة محدودة، لإنّ الأسلوب السري في عصر دعوة الأنبياء(عليهم السلام) غير مستساغ من قبل المجتمع، فلا يكون له الأثر المطلوب والحال هذه. فلابدّ للدعوة إِذَنْ من الإِعلان السليم القاطع المصحوب بالتخطيط والتدبير كشرط أساسي في إِنجاح الدعوة بين المجتمع. وبمطالعة تأريخ جميع الأنبياء(عليهم السلام) نرى أنّهم كانوا يعلنون دعوتهم ببيان صريح معلن، بالرغم من قلة الناصر من قومهم بالذات. وهذا هو خط جميع دعاة الحق (من الأنبياء وغيرهم)... فهم: لا يداهنون في دعوتهم أبداً ولا يجاملون الباطل وأهله، متحملين كل عواقب هذه الصراحة والقاطعية. 2 - لكل أُمّة رسول عند قوله عزَّ وجلّ: (ولقد بعثنا في كل أُمة رسول) يواجهنا السؤال التالي: لو كان لكل أُمّة رسول لظهر الأنبياء في جميع مناطق العالم، ولكنّ التأريخ لا يحكي لنا ذلك، فيكف التوجيه؟!! وتتضح الإِجابة من خلال الإِلتفات إِلى أن الهدف من بعث الأنبياء لإِيصال الدعوة الإِلهية إِلى أسماع كل الأُمم، فعلى سبيل المثال... عندما بعث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة أو المدينة لم يكن في بقية مدن الحجاز الأُخرى نبي، ولكنّ رسل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يصلون إِليها وبوصولهم يصل صوت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) إِليها أسماع الجميع، بالإِضافة إِلى كتبه ورسائله العديدة التي أرسلها إِلى الدول المختلفة (إِيران، الروم، الحبشة) ليبلغهم الرسالة الإِلهية). وها نحن اليوم كأُمّة قد سمعنا دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالرغم من بعد الشقّة التاريخية بيننا وبينه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بواسطة العلماء الرساليين الذين حملوا رسالته إِلينا عبر القرون... ولا يقصد من بعثة رسول لكل أُمّة إِلاّ هذا المعنى. ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ﴾ أي إيمانهم ﴿فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ﴾ لا يلطف بمن يخذل أو لا يهتدي من يخذله ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ يمنعونهم من العذاب.