ثمّ يتطرق القرآن الكريم إِلى ذكر أحد أهداف المعاد وقدرة اللّه عزَّوجلّ على ذلك، ليرد الإِشتباه القائل بعدم إِعادة الحياة بعد الموت، أو بعبثية المعاد... فيقول: (ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين)في إِنكارهم للمعاد وبأنّ اللّه لا يبعث مَنْ يموت!!
لأنّ ذلك عالم الشهود، عالم رفع الحجب وكشف الغطاء، عالم تجلي الحقائق، كما نقرأ في الآية (22) من سوره ق: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).
وفي الآية (رقم 9) من سورة الطارق: (يوم تبلى السرائر) أيْ تظهر وتعلن.
وكذا الآية (48) من سورة إِبراهيم: (وبرزوا اللّه الواحد القهار).
ففي يوم الشهود وكشف السرائر وإِظهارها لا معنى فيه لاختلاف العقيدة، وإِنْ كان من الممكن أن يقوم بعض المنكرين اللجوجين بإِطلاق الأكاذيب في بعض مواقف يوم القيامة لأجل تبرئة أنفسهم، إِلاّ أنّ ذلك سيكون أمراً استثنائياً عابراً.
وهذا يشبه إِلى حد ما إِنكار المجرم لجريمته ابتداءاً عند المحاكمة، ولكنّه سرعان ما ينهار ويرضخ للحقيقة عندما تعرض عليه مستمسكات جريمته المادية التي لا تقبل إدانة غيره أبداً، وهكذا فإنّ ظهور الحقائق في يوم القيامة يكون أوضح وأجلى من ذلك.
ومع أنّ أهداف حياة ما بعد الموت (عالم الآخرة) عديدة وقد ذكرتها الآيات القرآنية بشكل متفرق مثل: تكامل الإِنسان، إجراء العدالة الإِلهية، تجسيد هدف الحياة الدنيا، الفيض واللطف الإلهيين وما شابه ذلك... إِلاّ أنّ الآية مورد البحث أشارت إِلى هدف آخر غير الذي ذكر وهو: رفع الإِختلافات وعودة الجميع إِلى التوحيد.
ونعتقد أنّ أصل التوحيد من أهم الأصول التي تحكم العالم، وهو شامل يصدق على: ذات وصفات وأفعال اللّه عزَّوجلّ، عالم الخليقة والقوانين التي تحكمه، وكل شيء في النهاية يجب أن يعود إِلى هذا الأصل.
ولهذا فنحن نعتقد بوجود نهاية لكل ما تعانيه البشرية على الأرض - الناشئة من الإِختلافات المنتجة للحروب والصدامات - من خلال قيام حكومة واحدة تحت ضلال قيادة الإِمام المهدي "عجل اللّه تعالى فرجه الشريف" لأنّه يجب في نهاية الأمر رفع ما يخالف روح عالم الوجود (التوحيد).
أمّا اختلاف العقيدة فسوف لا يرتفع من هذه الدنيا تماماً لوجود عالم الحجب والأستار، ولا ينتهي إِلاّ يوم البروز والظهور (يوم القيامة).
فالرجوع إِلى الوحدة وانتهاء الخلافات العقائدية من أهداف المعاد الذي أشارت إِليه الآية مورد البحث.
وثمّة آيات قرآنية كثيرة كررت مسألة أنّ اللّه عزَّ وجلّ سيحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون(2).
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ الحق ﴿الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ فيميز المحق من المبطل بالثواب والعقاب ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ﴾ في نفيهم البعث.